أَن قَالَ والقادر الْمُخْتَار هُوَ الَّذِي إِن شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ ترك فَمَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن
إِلَى أَن قَالَ وَالْمَقْصُود هُنَا أَن الفلاسفة إِن جوزوا حوادث بِلَا سَبَب حَادث بطلت عمدتهم فِي قدم الْعَالم وَإِن منعُوا ذَلِك إمتنع خلو الْعَالم عَن الْحَوَادِث وهم لَا يسلمُونَ أَنه لم يخل من الْحَوَادِث
وَإِذا كَانَ كل مَوْجُود معِين من مرادات الْخَالِق مُقَارنًا للحوادث مستلزما لَهَا إمتنع إِرَادَته دون إِرَادَة لوازمه الَّتِي لَا يَنْفَكّ عَنْهَا
وَالله رب كل شَيْء وخالقه فَيمْتَنع أَن يكون بعض ذَلِك بإرادته وَبَعضه بِإِرَادَة غَيره
بل الْجَمِيع بإرادته
وَحِينَئِذٍ فالإرادة الأزلية إِمَّا أَن لَا تكون مستلزمة لمقارنة المُرَاد وَإِمَّا أَن تكون كَذَلِك
فَإِن كَانَ الأول لزم أَن يكون المُرَاد ولوازمه قديمَة أزلية والحوادث لَازِمَة لكل مَصْنُوع فَوَجَبَ أَن تكون مُرَادة لَهُ وَأَن تكون أزلية إِذْ التَّقْدِير أَن المُرَاد مُقَارن للإرادة فَيلْزم أَن تكون جَمِيع الْحَوَادِث المتعاقبة قديمَة أزلية وَهَذَا مُمْتَنع لذاته
وَإِن قيل إِن الْإِرَادَة الْقَدِيمَة لَيست مستلزمة لمقارنة مرادها لَهَا لم يجب أَن يكون المُرَاد قَدِيما أزليا وَلَا يجوز أَن يكون حَادِثا لِأَن حُدُوثه بعد أَن لم يكن يفْتَقر إِلَى سَبَب حَادث كَمَا تقدم وَإِن كَانَ أَن يُقَال إِن الْحَوَادِث تحدث بالإرادة الْقَدِيمَة من غير تجدّد أَمر من الْأُمُور كَمَا يَقُوله كثير من الأشعرية والكرامية وَمن وافقهم من أَصْحَاب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد كَانَ هَذَا