إني (قد) كتبْتُ لكما بصِلَة، فاجتازا بالِحيرَةِ فأعطى المتلمسُ صحيفتَه صبيًّا فقرأها، فإذا فيها الأَمر بقتله، فألقاها، وقال لطرفة: افعل مثل فعلي، فأبى عليه، ومضى إلى عامل الملك، فقرأها وقتله.
قال الخطابي: اختلف الناس في تأويله - يعني حديث سهل - فقال بعضهم: مَنْ وَجَدَ غَداءَ يومهِ وعشاءَهُ لم تَحِل لهُ المَسْأَلَةُ على ظاهر الحديث.
وقال بعضهم: إنما هو فيمن وَجَدَ غداءً أو عشاءً (?) على دَائِم الأوقات، فإذا كان عندهُ ما يكفيهِ لِقُوتِهِ المدَّة؛ الطويلة حَرُمَتْ عليه المسألة.
وقال آخرون: هذا منسوخ بالأحاديث التي تقدم ذكرها - يعني الأحاديث التي فيها تقدير الْغِنَى بملك خمسين درهمًا، أو قيمتها، أو بملك أُوقية، أو قيمتها.
قال الحافظ المنذري - رضي الله عنه -: ادعاء النسخ مشترك بينهما، ولا أعلم مرجِّحاً لأحدهما على الآخر، وقد كان الشافعي - رحمه الله - يقول: قد يكون الرجل بالدرهم غنيًّا مع كَسْبه، ولا يغنيه الألْفُ مع ضعفه في نفسه، وكثرة عياله.
وقد ذهب سفيان الثوري، وابن المبارك، والحسن بن صالح، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه إلى أن مَنْ لهُ خمسون درهمًا، أو قيمتها من الذهب، لا يُدْفعُ إليه شيء من الزكاة.
وكان الحسن البصري وأبو عبيد يقولان: من له أربعون درهمًا فهو غنِي.
وقال أصحاب الرأي: يجوز دَفْعها إلى مَنْ يملك دون النصاب، وإن كان صحيحًا مكتسباً مع قولهم: مَنْ كان له قوت يومه لا يحلُّ له السؤال، استدلالا بهذا الحديث وغيره، والله أعلم.