(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ إنَاءٍ هُوَ الْفَرَقُ مِنْ الْجَنَابَةِ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى فَغَسَلَهَا ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَنَضَحَ فِي عَيْنَيْهِ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى ثُمَّ غَسَلَ رَأْسَهُ ثُمَّ اغْتَسَلَ وَأَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ) .

ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا يُمِرُّهُ عَلَى جَسَدِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ مِنْهُ أَجْزَاهُ إفَاضَةُ الْمَاءِ لِلضَّرُورَةِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ إنْ كَانَ الَّذِي لَا يَنَالُهُ مِنْ جَسَدِهِ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَنْ يَلِي ذَلِكَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَا بَالَ لَهُ فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَالْعَمَلِ الْيَسِيرِ فِي الصَّلَاةِ.

(ش) : قَوْلُهَا كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ إنَاءٍ هُوَ الْفَرَقُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ هَذَا الْإِنَاءِ وَإِنْ اسْتَعْمَلَ الْيَسِيرَ مِنْ مَائِهِ وَيَبْقَى أَكْثَرُهُ أَوْ اسْتَعْمَلَ جَمِيعَ مَا فِيهِ وَزِيَادَةً مَعَهُ فَيَتَنَاوَلُ ذَلِكَ إبَاحَةَ الْوُضُوءِ بِذَلِكَ الْإِنَاءِ.

وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ بِكُلِّ إنَاءٍ طَاهِرٍ لَيْسَ فِيهِ مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْنَعُ الْوُضُوءَ مِنْ إنَاءِ الشَّبَهِ وَنَحَا بِهِ نَاحِيَةَ الذَّهَبِ وَقَدْ رَوَى أَنَّ الْإِنَاءَ الَّذِي أَشَارَتْ إلَيْهِ عَائِشَةُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ شَبَهٍ.

وَالْمَعْنَى الثَّانِي: أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعْمِلُ فِي غُسْلِهِ مِلْءَ ذَلِكَ الْإِنَاءِ الْمُسَمَّى بِالْفَرَقِ فَتَقْصِدُ بِذَلِكَ الْإِخْبَارَ عَنْ مِقْدَارِ مَا كَانَ يَسْتَعْمِلُهُ غَالِبًا مِنْ الْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إخْبَارٌ عَنْ أَقَلِّ مَا يُجْزِي عَنْ ذَلِكَ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَتَطَهَّرُ بِالصَّاعِ وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ فِيهِ تَحْدِيدٌ لِأَقَلِّ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَمَنْ اغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ لَا يُجْزِي فِي الْغُسْلِ أَقَلُّ مِنْ صَاعٍ وَلَا فِي الْوُضُوءِ أَقَلُّ مِنْ مُدٍّ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ رَأَيْت عَيَّاشَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ وَكَانَ فَاضِلًا يَتَوَضَّأُ بِثُلُثِ مُدِّ هِشَامٍ وَيَفْضُلُ لَهُ مِنْهُ وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأَعْجَبَ مَالِكًا وَثُلُثُ الْمُدِّ بِمُدِّ هِشَامٍ دُونَ الرَّطْلِ.

وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ الْفَرَقُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ بِصَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى يَحْيَى الْفَرْقُ بِتَسْكِينِ الرَّاءِ وَرَوَى غَيْرُهُ الْفَرَقَ بِتَحْرِيكِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْفَرَقُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ قَالَهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ.

(ش) : قَوْلُهُ كَانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى فَغَسَلَهَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ غَسْلِ الْيَدِ قَبْلَ إدْخَالِهَا فِي الْإِنَاءِ وَيَكْفِي غَسْلُ الْيُمْنَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لِيُمَكِّنَّهُ غَرْفُ الْمَاءِ بِهَا وَلَا مَعْنَى لِغَسْلِ الْيَدِ الْيُسْرَى مَعَهَا لِأَنَّهُ يَغْسِلُ بِهَا فَرْجَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيُبَاشِرُ النَّجَاسَةَ وَلَا يُبَاشِرُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِيُمْنَاهُ فَلِذَلِكَ غَسَلَهَا لِيَتَنَاوَلَ بِهَا الْمَاءَ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ بَدَأَ بِغَسْلِ فَرْجِهِ قَبْلَ وُضُوئِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ نَجَاسَةٍ إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا تَكُونُ طَهَارَةُ الْحَدَثِ بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَتَطْهِيرِ الْأَعْضَاءِ مِنْهَا وَلِأَنَّ فِي غَسْلِ الْفَرْجِ مِنْ الذَّكَرِ يَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ ذَلِكَ قَبْلَ الْوُضُوءِ لِأَنَّ مَسَّ الذَّكَرِ بَعْدَ الْوُضُوءِ نَاقِضٌ لِلطَّهَارَةِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَمِمَّا يَجِبُ التَّوَقِّي مِنْهُ عِنْدَ سَائِرِهِمْ لِلْخِلَافِ فِي ذَلِكَ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى دُونَ الْكُبْرَى لِأَنَّهُ إذَا غَسَلَ ذَكَرَهُ فِي جَنَابَتِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِذَلِكَ مِنْ غَسْلِهِ وَإِنْ كَانَ مَاسًا لَهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ غَسَلَ يَدَهُ لِيَتَنَاوَلَ الْمَاءَ ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ مِنْهُ لِتَقَدُّمِ غَسْلِهِ عَلَى وُضُوئِهِ ثُمَّ بَدَأَ بِالْوُضُوءِ لِيَفْتَتِحَ بِهِ غُسْلَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَنَضَحَ الْمَاءَ فِي عَيْنَيْهِ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَنْضَحُ الْمَاءَ فِي عَيْنَيْهِ فِي طَهَارَتِهِ عَلَى مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ لَا عَلَى مَعْنَى الْوُجُوبِ.

وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي نَضْحِ الْعَيْنَيْنِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَرَى فِعْلَ ذَلِكَ لِئَلَّا يُلْحَقَ بِالسُّنَنِ وَأَمَّا الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ فَهُمَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015