ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُؤَمِّنِ إبْطَالُهُ، وَلَوْ تَقَدَّمَ الْإِمَامُ بِمَنْعِ التَّأْمِينِ ثُمَّ تَعَدَّى بَعْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّنَ أَحَدًا كَانَ لِلْإِمَامِ رَدُّ تَأْمِينِهِ وَرَدُّ الْحَرْبِيِّ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَمَانِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا مَنْعَ الْإِمَامِ وَإِنْ عَلِمُوا.
(الْبَابُ الثَّالِثُ فِي صِفَةِ الْمُؤَمِّنِ) .
الْمُؤَمِّنُونَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: آمِنٌ وَخَائِفٌ فَأَمَّا الْآمِنُ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ لَهُ صِفَاتُ الْأَمَانِ وَهِيَ خَمْسَةٌ الذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْإِسْلَامُ جَازَ تَأْمِينُهُ عِنْدَ مَالِكٍ فَإِنْ عَدِمَ بَعْضَ هَذِهِ الْفُصُولِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ: لَا يَلْزَمُ غَيْرُ تَأْمِينِ الْإِمَامِ فَإِنْ أَمَّنَ غَيْرَهُ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ وَالْأَصْلُ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَل مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مُسْلِمٌ يَعْقِلُ الْأَمَانَ فَجَازَ أَمَانُهُ كَالْإِمَامِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْأُنُوثَةُ فَلَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْأَمَانِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُرَاعَاتِهَا فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: لَمْ أَجِدْ فِيهِ نَصًّا لِمَالِكٍ وَلَكِنَّهُمْ يَحْكُمُونَ بِلُزُومِ أَمَانِ الْعَبْدِ وَنَرَاهُ قِيَاسَ قَوْلِ مَالِكٍ.
وَقَدْ نَصَّ عَلَى لُزُومِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لُزُومَ أَمَانِ الْعَبْدِ عَلَى أَنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَخْرَجَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ رِوَايَةَ مَعْنِ بْنِ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَصِحُّ أَمَانُ الْعَبْدِ وَمَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا وَقَالَ سَحْنُونٌ: إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْقِتَالِ جَازَ أَمَانُهُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْقِتَالِ لَمْ يَجُزْ أَمَانُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجْهُ إجَازَةِ أَمَانِهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ وَالْعَبِيدُ مِنْ أَدْنَى الْمُسْلِمِينَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَزِمَ أَمَانُهُ إذَا أُذِنَ لَهُ فِي الْقِتَالِ لَزِمَ وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ كَالْأَجِيرِ وَالْمَرْأَةِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ مَعْنٍ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ تَأْمِينُهُ كَالطِّفْلِ وَاَلَّذِي لَا يَعْقِلُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجُوزُ تَأْمِينُ الصَّبِيِّ إذَا عَقَلَ الْأَمَانَ وَقَالَ سَحْنُونٌ: إنْ أَجَازَهُ الْإِمَامُ فِي الْمُقَاتَلَةِ جَازَ تَأْمِينُهُ وَإِلَّا فَلَا أَمَانَ لَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَلْزَمُ أَمَانُهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا مُسْلِمٌ يَعْقِلُ الْأَمَانَ فَجَازَ تَأْمِينُهُ كَالْبَالِغِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْعَقْلُ فَلَا اخْتِلَافَ فِي اعْتِبَارِهِ فِي لُزُومِ الْأَمَانِ وَصِحَّتِهِ لِأَنَّ مَنْ لَا يَعْقِلُ لَا يُعْتَبَرُ بِأَقْوَالِهِ وَلَا تَصِحُّ مَقَاصِدُهُ وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ الِاعْتِبَارُ بِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ فَخَصَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ.
(الْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْأَمَانُ) قَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَوْلِ شَاهِدَيْنِ وَأَمَّا بِقَوْلِ الْمُؤَمِّنِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ التَّأْمِينُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَثْبُتُ بِقَوْلِ الْمُؤَمِّنِ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَصْبَغُ وَابْنُ الْمَوَّازِ وَجْهُ مَا قَالَهُ سَحْنُونٌ أَنَّ التَّأْمِينَ فِعْلُ الْمُؤَمِّنِ وَإِلْزَامُ سَائِرِ الْمُؤَمِّنِينَ تَأْمِينَهُ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا شَخْصٌ يَصِحُّ أَمَانُهُ فَوَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ فِيهِ قَوْلُهُ كَالْإِمَامِ.
(الْبَابُ الْخَامِسُ فِي مُقْتَضَى التَّأْمِينِ) أَمَّا التَّأْمِينُ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا التَّأْمِينُ الْمُطْلَقُ الَّذِي لَا مَخَافَةَ بَعْدَهُ أَنْ لَا يَحْدُثَ وَالثَّانِي تَأْمِينٌ مُتَرَقَّبٌ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَمِثْلُ أَنْ يُؤَمِّنَ الْإِمَامُ الرَّجُلَ وَالْجَمَاعَةَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ تَأْمِينًا مُطْلَقًا فَهَذَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ آمِنًا مِنْ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ فَإِنْ أَرَادَ الْبَقَاءَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى حَيْثُ شَاءَ مِنْ بِلَادِ الْحَرْبِ فَهُوَ آمِنٌ حَتَّى يَبْلُغَ مَوْضِعَ امْتِنَاعِهِ مِنْ بِلَادِ الْحَرْبِ وَهَذَا