. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا قَطْعَ فِيهِ كَالثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ وَالزَّرْعِ الْقَائِمِ وَنَحْوِهِ أَوْ يَكُونُ مِمَّا فِيهِ الْقَطْعُ إذَا أُخِذَ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ كَالْمَالِ فِي الْحِرْزِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا قَطْعَ فِيهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ: إنْ خَفِيَ ذَلِكَ فَلْيَأْخُذْ مِنْهُ وَأَمَّا إنْ وَجَدَ ثَمَرًا أَوْ زَرْعًا أَوْ غَنَمًا لِقَوْمٍ فَظَنَّ أَنْ يُصَدِّقُوهُ وَلَا يَعُدُّوهُ سَارِقًا فَلْيَأْكُلْ مِنْ ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْمَيْتَةِ فَشَرْطٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ فِي الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ أَنْ يَخْفَى لَهُ ذَلِكَ لِمَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَحْتَرِزَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ لِنَفْسِهِ فَرُبَّمَا أُوذِيَ أَوْ ضُرِبَ ضَرْبًا عَنِيفًا إنْ عُلِمَ بِهِ وَلَمْ يُعْذَرْ بِمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الضَّرُورَةِ وَشَرْطٌ فِي الْقِسْمِ الْآخَرِ أَنْ يُصَدِّقُوهُ وَهُوَ فِي الثَّمَرِ الَّذِي قَدْ آوَاهُ إلَى حِرْزِهِ وَالزَّرْعِ الَّذِي حَصَدَ وَأَوَى إلَى حِرْزِهِ وَالْغَنَمِ الَّتِي فِي حِرْزِهَا وَهِيَ الَّتِي أَرَادَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَلِذَلِكَ قَالَ: إنَّهُ رُبَّمَا تُقْطَعُ يَدُهُ وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَخْفَى لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ أَخْذَهُ عَلَى وَجْهِ التَّسَتُّرِ بِهِ هُوَ الَّذِي يُعَاقَبُ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ فَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَأْخُذَهُ مُعَلَّمًا إنْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يُصَدِّقُونَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَلَا يَتَعَرَّضُ إلَى أَخْذِهِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِسْرَارِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ يَدِهِ وَاَلَّذِي يَأْخُذُ مِنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِسْرَارِ فَذَلِكَ لَا يُوجِبُ قَطْعَ يَدٍ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فِيمَا يَجِدُهُ مِنْ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالْغَنَمِ لِغَيْرِهِ إنْ ظَنَّ أَنَّهُمْ يُصَدِّقُونَهُ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهُ مَا يَرُدُّ جُوعَهُ وَلَا يَحْتَمِلُ مِنْهُ شَيْئًا وَفَرَّقَ بَيْنَ أَكْلِهِ مِنْ هَذَا وَبَيْنَ أَكْلِهِ مِنْ الْمَيْتَةِ فَفِي الْمَيْتَةِ قَالَ: يَشْبَعُ وَيَتَزَوَّدُ وَقَالَ فِي هَذَا يَأْكُلُ مَا يَرُدُّ جُوعَهُ وَلَا يَتَزَوَّدُ وَوَجْهُ ذَلِكَ: إنَّ هَذَا مَالٌ لِغَيْرِهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِحَقِّ اللَّهِ وَلِحَقِّ مَالِكِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَرُدُّ بِهِ رَمَقَهُ وَأَمَّا الْمَيْتَةُ فَلَيْسَتْ بِمَالٍ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا هِيَ مَمْنُوعَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى إذَا اُسْتُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ تَجَاوَزَتْ الرُّخْصَةُ فِيهَا مَوَاضِعَ الضَّرُورَةِ وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ لَا تَتَجَاوَزُ مَوَاضِعَ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ وَهَذَا الْفَرْقُ عَلَى رِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ وَرِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ مَالِكٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ يُرِيدُ أَنَّ مَا أَكَلَهُ مِنْ الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ مُبَاحُ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِحَقِّ الْغَيْرِ وَإِذَا بَلَغَتْ الضَّرُورَةُ مِنْهُ إلَى اسْتِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ فَقَدْ لَزِمَ صَاحِبَ هَذَا الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهُ مَا يَرُدُّ بِهِ رَمَقَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ثَمَنٌ أَوْ يَبِيعُهُ مِنْهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ ثَمَنٌ فَإِذَا أَخَذَ بِقَدْرِ ذَلِكَ فَقَدْ بَلَغَ بِهِ حَقَّهُ وَكَانَ مُبَاحًا لَهُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَدْ لَزِمَ صَاحِبَهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ وَأَمَّا الْمَيْتَةُ فَلَيْسَتْ بِمُبَاحَةٍ فِي نَفْسِهَا فَكَانَ أَكْلُ هَذَا الطَّعَامِ الَّذِي هُوَ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ أَوْلَى.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَإِنْ هُوَ خَشِيَ أَنْ لَا يُصَدِّقُوهُ وَأَنْ يَعُدُّوهُ سَارِقًا فَإِنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ خَيْرٌ لَهُ عِنْدِي يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ خَافَ أَنْ يَعُدُّوهُ سَارِقًا بِأَخْذِهِ إيَّاهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِتَارِ مِنْ الْحِرْزِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْقَطْعُ فَأَكْلُ الْمَيْتَةِ أَوْلَى وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِمَا يُوجِبُ قَطْعَ يَدِهِ وَأَضَافَ ذَلِكَ إلَى رَأْيِهِ وَفَتْوَاهُ إمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ فِيهِ نَصًّا لِغَيْرِهِ أَوْ لِأَنَّهُ قَوْلٌ اخْتَارَهُ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ قَبْلَهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ مَعَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ يَعْدُوَ عَادٍ مِمَّنْ لَمْ يَضْطَرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ يُرِيدُ اسْتِجَازَةَ أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَزُرُوعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ بِذَلِكَ أَظْهَرُ لِمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ عِلَّةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ مَا يَدَّعِيهِ هَذَا مِنْ الضَّرُورَةِ أَمْرٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَبِقَوْلِهِ فِي الْأَغْلَبِ وَلَوْ شُرِعَ هَذَا لِلنَّاسِ لِتَسَبُّبِ أَهْلِ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ إلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَزُرُوعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ فَإِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ وَظَفِرَ بِهِمْ ادَّعَوْا الضَّرُورَةَ فَوَجَبَ سَدُّ هَذَا الْبَابِ وَوَجَبَ عَلَى هَذَا الْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ وَلَا يَتَعَرَّضَ لِهَذَا الْوَجْهِ الَّذِي لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُتَّهَمَ فِيهِ وَلَوْ