(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَقِيَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِهِ يُقَالُ لَهُ الْمُجَبَّرُ قَدْ أَفَاضَ وَلَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يُقَصِّرْ جَهِلَ ذَلِكَ فَأَمَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى الْبَيْتِ فَيُفِيضَ) .

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ دَعَا بِالْجَلَمَيْنِ فَقَصَّ شَارِبَهُ وَأَخَذَ مِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ: مُرْهَا فَلْتَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهَا بِالْجَلَمَيْنِ أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ أَخْذَهُ مِنْ شَعْرِهَا بِأَسْنَانِهِ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيعَابُ جَمِيعِ شَعْرِهَا بِالتَّقْصِيرِ وَكَانَ يَرَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا الِاسْتِيعَابُ فَأَمَرَهُ بِأَنْ يُقَصِّرَ بِالْجَلَمَيْنِ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يُمْكِنُ الِاسْتِيعَابُ بِهِمَا وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْأَخْذُ مِنْ الشَّعْرِ بِالْأَسْنَانِ وَلَا بِغَيْرِهَا إلَّا مَا كَانَ مِنْ الْحَدِيدِ الَّذِي اُعْتِيدَ التَّقْصِيرُ بِهِ وَأَمَّا التَّقْصِيرُ بِالْأَضْرَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَصِّ بِالْجَلَمَيْنِ.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُ مَالِكٍ أَسْتَحِبُّ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُهْرِقَ دَمًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمَّا أَصَابَ النِّسَاءَ قَبْلَ تَمَامِ تَحَلُّلِهِ بِالْحِلَاقِ كَانَ عَلَيْهِ الدَّمُ وَأَيْضًا فَإِنَّ طَوَافَهُ لِلْإِفَاضَةِ قَبْلَ الْحِلَاقِ مِمَّا قَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي إعَادَتِهِ فِي وُجُوبِ الْهَدْيِ بِهِ فَكَيْفَ إذَا تَحَلَّلَهَا الْوَطْءُ.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا فَلْيُهْرِقْ دَمًا احْتِجَاجُهُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ قَوْلٌ قَدْ قَالَهُ غَيْرُهُ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ النِّسْيَانَ وَالْعَمْدَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ أَوْ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُهْرِيقَ دَمًا فِي نِسْيَانِهِ مَعَ عُذْرِ النِّسْيَانِ فَبِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ وَالْجَهْلِ أَوْلَى وَلَمَّا احْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْحِلَاقُ عِنْدَهُ نُسُكًا وَإِلَّا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الدَّلِيلُ وَفِي ذَلِكَ وَجْهٌ آخَرُ وَذَلِكَ أَنَّ مَا قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْهَدْيِ لِأَنَّ مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا كَالْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَوْ رَمْيِ الْجِمَارِ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ الْهَدْيُ لَكِنْ لَمَّا احْتَمَلَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ وَاشْتَمَلَ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ تَعَلَّقَ بِهِ النَّدْبُ لِأَنَّهُ مُتَنَاوِلٌ لَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُرِيدُ بِقَوْلِهِ أَسْتَحِبُّ لَهُ أَنَّهُ يَسْتَحِبُّ إيجَابَهُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ قَوْلِ مَنْ لَمْ يُوجِبْهُ فَيَكُونُ الْهَدْيُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَاجِبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : الرَّجُلُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُجَبَّرُ هُوَ ابْنُ أَخِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَكَانَ الْمُجَبَّرُ قَدْ أَفَاضَ وَلَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يُقَصِّرْ جَهِلَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَلْزَمُهُ فَأَمَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الرُّجُوعَ إلَى مَوْضِعِ الْحِلَاقِ بِمِنًى وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالرُّجُوعِ إلَى مِنًى لَقَالَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ ثُمَّ يُفِيضَ وَلَمَّا قَالَ: أَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيَحْلِقَ ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى الْبَيْتِ فَيُفِيضَ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَقِيَهُ بِغَيْرِ مِنًى وَلَعَلَّهُ لَقِيَهُ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى مُنْصَرِفًا إلَى مِنًى فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَمَادَى إلَى مِنًى فَيَحْلِقَ ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى الْبَيْتِ فَيُعِيدَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَفِي الْمُخْتَصَرِ يَرْجِعُ فَيَحْلِقُ ثُمَّ يُفِيضُ وَقِيلَ: يَنْحَرُ وَيَحْلِقُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ يُعِيدُ الْإِفَاضَةَ.

فَوَجْهُهُ أَنَّهُمَا تَحَلُّلَانِ مُرَتَّبَانِ فَإِذَا قَدَّمَ الْآخَرَ مِنْهُمَا وَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهِ مَا لَمْ يَفُتْ وَقْتُهُ كَالْحِلَاقِ وَرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ.

وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُمَا مَعْنَيَانِ سُنَّا بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ وَقَبْلَ رَمْيِ الْجِمَارِ فَتَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لَا يُوجِبُ الْإِعَادَةَ كَالْحَلْقِ وَالذَّبْحِ.

(فَرْعٌ)

فَإِنْ قُلْنَا: يُعِيدُ الْإِفَاضَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَفِي الْمُخْتَصَرِ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَهَلْ عَلَيْهِ هَدْيٌ أَمْ لَا رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إنْ ذَكَرَ فِي أَيَّامِ مِنًى حَلَقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ مِنًى حَلَقَ وَأَهْدَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ تَبَاعَدَ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ أَهْدَى وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ، هَذَا الْجَوَابُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لِتَأْخِيرِ الْحِلَاقِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا فِي الْأَمْرِ بِإِعَادَةِ الْإِفَاضَةِ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015