[التقصير]

التَّقْصِيرُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا أَفْطَرَ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ رَأْسِهِ وَلَا مِنْ لِحْيَتِهِ شَيْئًا حَتَّى يَحُجَّ قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: إنِّي أَفَضْت وَأَفَضْت مَعِي بِأَهْلِي ثُمَّ عَدَلْت إلَى شِعْبٍ فَدَنَوْت لِأَدْنُوَ مِنْ أَهْلِي فَقَالَتْ: إنِّي لَمْ أُقَصِّرْ مِنْ شَعْرِي بَعْدُ فَأَخَذْت مِنْ شَعْرِهَا بِأَسْنَانِي ثُمَّ وَقَعْت بِهَا فَضَحِكَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَقَالَ: مُرْهَا فَلْتَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهَا بِالْجَلَمَيْنِ. قَالَ مَالِكٌ: أَسْتَحِبُّ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُهْرِقَ دَمًا وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا فَلْيُهْرِقْ دَمًا) .

ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَلَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحِلَّ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ تَحَلَّلَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْإِحْرَامِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَرْمِي الْجَمْرَةَ وَلَا يَحْلِقُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُفِيضُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ نَحْوُ ذَلِكَ.

[التَّقْصِيرُ]

(ش) : قَوْلُهُ كَانَ لَا يَأْخُذُ مِنْ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ شَيْئًا إذَا نَوَى الْحَجَّ بَعْدَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ تَوْفِيرَ مَا يَأْخُذُ مِنْ ذَلِكَ فِي حَجِّهِ عِنْدَ الْحِلَاقِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ وَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ لِلْمُعْتَمِرِ أَنْ لَا يَحْلِقَ إذَا كَانَ بِقُرْبِ الْحَجِّ لِيُوَفِّرَ شَعْرَهُ لِلْحِلَاقِ فِي الْحَجِّ وَلَعَلَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَتْرُكُ ذَلِكَ بَعْدَ الْأَخْذِ مِنْهُ عِنْدَ الْفِطْرِ لِلتَّجَمُّلِ لِلْعِيدِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُوَقِّتْ تَرْكَ الْأَخْذِ مِنْهُ بِمَا قَبْلَ الْعِيدِ.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُ مَالِكٍ: وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى النَّاسِ الْتِزَامُ مِثْلِ هَذَا عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ مَا يُؤَيِّدُهُ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِمَا فِيهِ مِنْ طُولِ التَّشَعُّثِ وَتَقْدِيمِ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْأَخْذِ مِنْ الشَّعْرِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا حَلَقَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ) .

(ش) : قَوْلُهُ إنَّهُ كَانَ إذَا حَلَقَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَقُصُّ مِنْهُمَا مَعَ حَلْقِ رَأْسِهِ وَقَدْ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُغَيِّرُ الْخِلْقَةَ مِنْ الْجَمَالِ وَالِاسْتِئْصَالُ لَهُمَا مُثْلَةٌ كَحَلْقِ رَأْسِ الْمَرْأَةِ فَمَنَعَ مِنْ اسْتِئْصَالِهَا أَوْ أَنْ يَقَعَ مِنْهُمَا مَا يُغَيِّرُ الْخِلْقَةَ وَيُؤَدِّي إلَى الْمُثْلَةِ وَأَمَّا مَا تَزَايَدَ مِنْهَا وَخَرَجَ عَنْ حَدِّ الْجَمَالِ إلَى حَدِّ التَّشَعُّثِ وَبَقَاؤُهُ مُثْلَةٌ فَإِنَّ أَخْذَهُ مَشْرُوعٌ فَلَمَّا كَانَتْ مِنْ الشُّعُورِ الَّتِي يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهَا تَعَلَّقَ بِهَا حُكْمُ النُّسُكِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ.

(ش) : قَوْلُهُ إنِّي أَفَضْت وَأَفَضْت مَعِي بِأَهْلِي يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَوَجَّهَ لِلْإِفَاضَةِ وَعَدَلَ إلَى الشُّعَبِ فِي تَوَجُّهِهِ إلَى الْإِفَاضَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ " أَفَضْت " طُفْت طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَأَنَّهُ عَدَلَ إلَى الشُّعَبِ لِانْصِرَافِهِ مِنْ الْإِفَاضَةِ إلَى مِنًى وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ لِقَوْلِهِ أَفَضْت وَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْإِفَاضَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَهِيَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُهُ فَذَهَبْت لِأَدْنُوَ مِنْ أَهْلِي فَقَالَ: إنِّي لَمْ أُقَصِّرْ بَعْدُ مَنَعَتْهُ الدُّنُوَّ مِنْهَا وَمَعْنَاهُ الْجِمَاعُ لِمَا لَمْ تَكُنْ قَصَّرَتْ بَعْدُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ وَلَمْ يَحْلِقْ فَإِنَّهُ لَا يُجَامِعُ أَهْلَهُ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ التَّحَلُّلِ لِأَنَّ الْحِلَاقَ مِنْ التَّحَلُّلِ فِي الْحَجِّ.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُهُ فَأَخَذْت مِنْ شَعْرِهَا بِأَسْنَانِي ثُمَّ وَقَعْت بِهَا يُرِيدُ أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ تَقْصِيرًا يُبِيحُ مِنْهَا مَا يَمْنَعُهُ عَدَمُ التَّقْصِيرِ وَضَحِكَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا أَخْبَرَهُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ الْحِرْصِ عَلَى الْجِمَاعِ وَالتَّسَبُّبِ لَهُ وَإِقَامَتِهِ الْقَصَّ بِأَسْنَانِهِ لِشَيْءٍ مِنْ شَعْرِهَا مَقَامَ التَّقْصِيرِ اللَّازِمِ لَهَا حِرْصًا عَلَى بُلُوغِ مَا أَرَادَهُ مِنْهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015