(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الَّذِي يُفْسِدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ حَتَّى يَجِبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْهَدْيُ مَعَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَاءٌ دَافِقٌ قَالَ وَيُوجِبُ ذَلِكَ أَيْضًا الْمَاءُ الدَّافِقُ إذَا كَانَ مِنْ مُبَاشَرَةٍ فَأَمَّا رَجُلٌ ذَكَرَ شَيْئًا حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ مَاءٌ دَافِقٌ فَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ مَعْنًى يُوجِبُ الْقَضَاءَ فَوَجَبَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ كَالْفَوَاتِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَذَا إذَا كَانَ وَطْؤُهُ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ رَوَى أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ وَطِئَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ وَيُفِيضَ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَطِئَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَهَدْيٌ لِوَطْئِهِ وَهَدْيٌ آخَرُ لِمَا أَخَّرَ مِنْ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّحَلُّلَ قَدْ حَصَلَ بِانْقِضَاءِ وَقْتِ الرَّمْيِ وَخُرُوجِهِ.
(فَصْلٌ)
قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ إصَابَتُهُ أَهْلَهُ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَمِرَ وَيُهْدِيَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَالْوَطْءُ بَعْدَ الرَّمْيِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَقَدْ قَالَ أَيْضًا: يَفْسُدُ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ.
وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ وَطِئَ بَعْدَ أَنْ حَلَّ لَهُ اللِّبَاسُ وَإِلْقَاءُ التَّفَثِ فَلَمْ يَفْسُدْ بِذَلِكَ حَجُّهُ كَمَا لَوْ وَطِئَ بَعْدَ الطَّوَافِ.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ وَطِئَ يَوْمَ النَّحْرِ فِي حَالِ الْمَنْعِ مِنْ الْوَطْءِ لِأَجْلِ الْحَجِّ فَوَجَبَ أَنْ يَفْسُدَ حَجُّهُ كَمَا لَوْ وَطِئَ قَبْلَ الْوُقُوفِ.
(فَرْعٌ)
فَإِذَا قُلْنَا: لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ عُمْرَةٌ وَهَدْيٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فِي نُسُكٍ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ نَقْصُ الْوَطْءِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْعُمْرَةِ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَا يَكُونُ فِي الْإِحْرَامِ إلَّا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَقَدْ قُلْنَا أَنَّهُ لَا حَجَّ عَلَيْهِ فَلَزِمَتْهُ الْعُمْرَةُ.
(مَسْأَلَةٌ)
فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَقَبْلَ الرَّمْيِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ كِنَانَةَ وَأَصْبَغُ: لَا يَفْسُدُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْهَدْيُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ: يَفْسُدُ حَجُّهُ.
وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ أَحَدُ التَّحَلُّلَيْنِ فَلَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَ الرَّمْيُ وَوَطِئَ قَبْلَ الطَّوَافِ.
وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ وَطِئَ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ الرَّمْيِ فَفَسَدَ حَجُّهُ كَمَا لَوْ وَطِئَ قَبْلَ الطَّوَافِ.
(مَسْأَلَةٌ)
فَإِنْ كَانَ وَطْؤُهُ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْهَدْيِ.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ الَّذِي يُفْسِدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ وَقَعَ مِنْ عَمْدٍ أَوْ نِسْيَانٍ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ عَلَى وَجْهِ النِّسْيَانِ لَا يُفْسِدُ الْحَجَّ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَقَوْلُهُ الَّذِي يُفْسِدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ حَتَّى يَجِبُ بِذَلِكَ الْهَدْيُ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَنَّ الْإِفْسَادَ وُجِدَ فِي أَحَدِهِمَا فَيَجِبُ بِذَلِكَ الْهَدْيُ وَالْقَضَاءُ فَاجْتَزَأَ بِذِكْرِ الْإِفْسَادِ عَنْ ذِكْرِ الْقَضَاءِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْهَدْيُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الَّذِي هُوَ الْقَضَاءُ عَمَّا أَفْسَدَهُ مِنْهُمَا وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً التَّمَادِي فِيمَا أَفْسَدَ مِنْهُمَا حَتَّى يُتَمِّمُهُ عَلَى مَا كَانَ الْتَزَمَهُ وَدَخَلَ فِيهِ ثُمَّ يَقْضِيهِ وَيُهْدِي فِي الْقَضَاءِ.
وَقَالَ دَاوُد: يَخْرُجُ عَنْ الْحَجِّ بِالْفَسَادِ وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ مَعْنًى يَجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ فَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ عَنْ الْإِحْرَامِ كَالْفَوَاتِ.
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَاءٌ دَافِقٌ يُرِيدُ أَنَّ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ يُفْسِدُ الْحَجَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إنْزَالٌ لِأَنَّ كُلَّ حُكْمٍ يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مِنْ إفْسَادِ الْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ وَالْمَهْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ