. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ نَحْرُهُ مُنْذُ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَجَازَ الْحِلَاقُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْقَوْلِ بِهِ إذَا عُلِّقَ بِالْغَايَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَأَكْثَرُ شُيُوخِنَا، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ حَفْصَةَ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا وَهُوَ قَوْلُهَا «يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا بَالُ النَّاسِ حَلُّوا مِنْ عُمْرَتِهِمْ وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِك؟ فَقَالَ: إنِّي لَبَّدْت رَأْسِي وَقَلَّدْت هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ تَعَذَّرَ النَّحْرُ عَلَيْهِ فَوَجَبَ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ الْحِلَاقِ وَلَوْ كَانَ النَّحْرُ مُبَاحًا لَهُ لَعَلَّلَ امْتِنَاعَ الْإِحْلَالِ بِغَيْرِ تَأْخِيرِ النَّحْرِ وَلَمَا صَحَّ اعْتِلَالُهُ بِهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا هَدْيٌ يَجِبُ إرَاقَةُ دَمِهِ فِي الْحَجِّ فَلَمْ يَجُزْ نَحْرُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، أَصْلُ ذَلِكَ إذَا نَذَرَ هَدْيًا وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا فِدْيَةُ الْأَذَى؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِهَدْيٍ فَإِنْ أَهْدَاهَا كَانَ هَذَا حُكْمُهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُصَامَ فِي الْحَجِّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِهِ وَلَا يُصَامَ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ صَائِمًا لِلثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ فِي الْحَجِّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ أَنْ يَصُومَهَا عَقِيبَ إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَهَذَا نَصٌّ فِي وُجُوبِ صِيَامِهَا فِي الْحَجِّ وَمَا لَمْ يُحْرِمْ فَلَيْسَ صِيَامُهُ فِيهِ وَاسْتِدْلَالٌ آخَرُ مِنْ الْآيَةِ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَمَنْ لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ بِالْحَجِّ وَاسْتِدْلَالٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] فَعَلَّقَ جَوَازَ الصِّيَامِ بَعْدَ الْهَدْيِ وَلَا نَعْلَمُ عَدَمَهُ قَبْلَ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُيَسَّرُ عِنْدَ وُجُوبِ الْهَدْيِ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا صَوْمٌ وَاجِبٌ فَلَمْ يَجُزْ أَدَاؤُهُ قَبْلَ وُجُوبِهِ أَصْلُ ذَلِكَ صَوْمُ رَمَضَانَ.
(فَرْعٌ) وَوَقْتُ هَذَا الصَّوْمِ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالِاخْتِيَارُ تَقْدِيمُهُ فِي أَوَّلِ الْإِحْرَامِ رَوَاهُ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ إلَى حِينِ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الِاخْتِيَارَ تَقْدِيمُهُ لِمَعْنَيَيْنِ:
أَحَدِهِمَا: تَعْجِيلُ إبْرَاءِ الذِّمَّةِ.
وَالثَّانِي - أَنَّهُ وَقْتٌ مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِ الصَّوْمِ فِيهِ.
فَكَانَ أَوْلَى مِنْ الصَّوْمِ فِي وَقْتٍ مُخْتَلَفٍ فِي إجْزَائِهِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) فَإِنْ فَاتَهُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ صَامَ أَيَّامَ مِنًى فَإِنْ لَمْ يَصُمْ أَيَّامَ مِنًى صَامَ بَعْدَهَا وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَصُومُ بَعْدَ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَسْتَقِرُّ الْهَدْيُ فِي ذِمَّتِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَهَذَا قَدْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ مَا اُسْتُدِيمَ الْعَجْزُ عَنْ الْحَيَوَانِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّوْمِ كَالصَّوْمِ لِلظِّهَارِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ فَصَامَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ اسْتَحْسَنَّا لَهُ أَنْ يُهْدِيَ وَلَمْ يَجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَمَادَى عَلَى صَوْمِهِ أَجْزَأَهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَبْطُلُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَى الْهَدْيِ فِي أَيَّامِ الذَّبْحِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ فَإِنْ حَلَّ وَانْقَضَتْ أَيَّامُ الذَّبْحِ لَمْ يُنْتَقَضْ صَوْمُهُ بِوُجُودِ الْهَدْيِ، وَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ فِي السَّبْعَةِ الْأَيَّامِ، ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا صَوْمٌ تَلَبَّسَ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْهَدْيِ فَلَمْ يَبْطُلْ بِوُجُودِهِ كَتَلَبُّسِهِ بِصَوْمِ سَبْعَةِ أَيَّامٍ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى جَازَ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ الْأَيَّامَ قَبْلَ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ لَا يَصُومُهَا حَتَّى يَرْجِعَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] .
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْآيَةِ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الْحَجَّ فَقَالَ {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ مِنْ مِنًى وَلَمْ يَتَقَدَّمْ إلَّا ذِكْرُ الْحَجِّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ مِنْهُ كَمَا