(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يُخْرِجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَّا التَّمْرَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ أَخْرَجَ شَعِيرًا) .

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنْ كَانَ قُوتَهُ.

وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا حَبٌّ يُقْتَاتُ غَالِبًا تُجْزِئُ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ فَجَازَ إخْرَاجُهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ.

وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذِهِ حُبُوبٌ تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا بِمَعْنَى التَّأَدُّمِ وَإِصْلَاحِ الْأَقْوَاتِ فَلَمْ يَجُزْ إخْرَاجُهَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ كَالْأَبْزَارِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الدَّقِيقُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّمَا ذَلِكَ لِلرِّيعِ فَإِذَا أَخْرَجَ بِمِقْدَارِ مَا يُرِيعُ الْقَمْحُ أَجْزَأَ وَقَالَهُ أَصْبَغُ.

وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ مُقَدَّرَةٌ وَمِقْدَارُ الرِّيعِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَوْ جَوَّزْنَا إخْرَاجَ الدَّقِيقِ بِالرِّيعِ لَأَخْرَجْنَاهَا عَنْ التَّقْدِيرِ الَّذِي فَرَضَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْجَبَهُ إلَى الْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ الَّذِي يُنَافِي الزَّكَاةَ وَلَكَانَ لَا يُطْلَقُ عَلَى مَا يُخْرِجُ اسْمَ صَاعٍ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلَّقَ حُكْمَهَا بِهَذَا الِاسْمِ.

وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنْ يَكُونَ الصَّاعُ قَدْ جَرَى فِي الْحِنْطَةِ، ثُمَّ يُطْحَنُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ التَّقْدِيرِ إلَى الْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا التِّينُ فَقَالَ مَالِكٌ لَا يُخْرَجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَقَدْ تَرَجَّحَ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِ: إنَّ الزَّكَاةَ لَا تُجْزِئُ فِيهِ وَإِنَّ الرِّبَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ مِنْ الْأَقْوَاتِ لِمَا لَمْ يَكُنْ بَلَدٌ يُقْتَاتُ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُ مِنْ الْأَقْوَاتِ وَأَنْ تُجْزِئَ فِيهِ الزَّكَاةُ وَالرِّبَا وَيُخْرِجُهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مَنْ يَتَقَوَّتَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَذِهِ الْأَقْوَاتُ بَعْضُهَا أَرْفَعُ مِنْ بَعْضٍ فَعَلَى أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ غَالِبِ قُوتِهِمْ وَأَكْثَرِ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي جِهَتِهِمْ، فَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يَقْتَاتُ بِغَيْرِ مَا يَقْتَاتُ بِهِ أَهْلُ بَلَدِهِ فَيُنْظَرُ فَإِنْ اقْتَاتَ أَفْضَلَ مِنْ قُوتِهِمْ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ قُوتِهِ فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَلْزَمُهُ وَمَا زَادَ عَلَى قُوتِ النَّاسِ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى التَّرَفُّهِ وَالتَّفَكُّهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إخْرَاجُهُ وَإِنْ كَانَ يَقْتَاتُ دُونَ قُوتِ النَّاسِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ عُسْرٍ أَوْ بُخْلٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ عُسْرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ قُوتِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ لِأَكْثَرَ مِنْهُ وَإِخْرَاجُ الزَّكَاةِ يَتَعَلَّقُ بِالْوُجُودِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] ، فَإِنْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِبُخْلٍ لَزِمَهُ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ قُوتِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الزَّكَاةِ يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فَتَقْصِيرُهُ هُوَ فِي نَفْسِهِ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ الزَّكَاةَ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَمَنْ أَكَلَ الْحِنْطَةَ وَأَخْرَجَ الشَّعِيرَ أَوْ السُّلْتَ أَجْزَأَهُ.

وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذِهِ زَكَاةٌ فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِنَوْعٍ لَمْ يَجُزْ أَدْوَنُ مِنْهُ، أَصْلُ ذَلِكَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ حِنْطَةٍ لَا يُجْزِيهِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهَا حِنْطَةً رَدِيئَةً.

وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَقْتَضِي التَّخْيِيرَ وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ لَا يُجِيزُ التَّخْيِيرَ مِنْ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثَيْنِ وَإِنَّمَا يُجِيزُ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْحَدِيثِ وَبَيْنَ الْقَمْحِ وَالسُّلْتِ وَلَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِي الْحَدِيثِ وَأَمَّا التَّمْرُ وَالْأَقِطُ وَالزَّبِيبُ الْمَذْكُورُ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ مَعَ الشَّعِيرِ فَلَا نَرَى فِيهَا التَّخْيِيرَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَمَّا السِّتَّةُ الْأَصْنَافِ الْبَاقِيَةِ فَلْيُخْرِجْ مِنْ بَدَلِهِ فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ عَيْنِهِ لَمْ يُجْزِهِ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يُخْرِجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَّا التَّمْرَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ أَخْرَجَ شَعِيرًا) .

(ش) : قَوْلُهُ كَانَ لَا يُخْرِجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَّا التَّمْرَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قُوتَهُ وَقُوتَ أَهْلِ بَلَدِهِ بِالْمَدِينَةِ فَلِذَلِكَ كَانَ يَرَى أَنْ لَا يُجْزِيَهُ غَيْرَ التَّمْرِ وَكَانَ يَقْتَصِرُ عَلَى إخْرَاجِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُهُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الشَّعِيرِ وَيَقُوتُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ التَّمْرَ أَفْضَلُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الشَّعِيرُ يُجْزِيهِ.

وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُخْرَجَ بِالْمَدِينَةِ التَّمْرُ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَفْضَلُ أَقْوَاتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يُقْتَاتُ فِيهَا إلَّا التَّمْرُ أَوْ الشَّعِيرُ وَأَمَّا اقْتِيَاتُ الْقَمْحِ فَنَادِرٌ وَإِنَّمَا أَخْرَجَ ابْنُ عُمَرَ الشَّعِيرَ مَرَّةً وَاحِدَةً إذَا أَعْوَزَهُ التَّمْرُ، وَكَذَالِكَ رَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُعْطِي التَّمْرَ فَأَعْوَزَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015