. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّانِي: أَنَّ الْمَاءَ بِرِقَّتِهِ مَعَ دِقَّةِ الْخَاتَمِ يَصِلُ إلَى مَا تَحْتَهُ مِنْ الْبَشَرَةِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَحْرِيكِهِ فَعَلَى هَذَا لَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ.
وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ فِيمَنْ يُلْصِقُ بِذِرَاعَيْهِ قَدْرَ الْخَيْطِ مِنْ الْعَجِينِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ فَيُصَلِّي بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَلْ يَلْزَمُهُ تَخْلِيلُ أَصَابِعِهِ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بُدَّ مِنْ التَّخْلِيلِ فِي أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَأَمَّا أَصَابِعُ الرِّجْلَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُخَلِّلْهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهَا وَذَكَرَ نَحْوَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَدْ تَعَلَّقَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَوَضَّأْت فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ» وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ إمْرَارُ الْيَدَيْنِ عَلَى مَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ عَلَى أَنَّ حَكَّ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فِي الْيَدَيْنِ يُجْزِي عَنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ التَّخْلِيلَ أَفْضَلُ وَأَمَّا عَفْوُهُمْ عَنْ تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ فِي جَوَازِ تَرْكِ إمْرَارِ الْيَدِ عَلَى أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ فِي الْوُضُوءِ.
وَقَدْ أَشَارَ مَالِكٌ إلَى إبْدَاءِ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ أَصَابِعَ الرِّجْلَيْنِ مُلْتَصِقَةٌ لَا يَظْهَرُ مَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يُدْخِلُ يَدَهُ فِي لِحْيَتِهِ عِنْدَ الْوُضُوءِ وَهُوَ مِثْلُ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ وَيُؤَكِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ تَخْلِيلُ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ وَإِنْ تَرَكَهُ فِي ذَلِكَ فِي غُسْلِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ أَوْ تَرَكَ تَخْلِيلَ لِحْيَتِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَقَدْ نَصُّوا عَلَى وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى مَا بَيْنَ الرِّجْلَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْبَشَرَةِ الَّتِي تَحْتَ اللِّحْيَةِ أَنَّ مَا بَيْنَ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ مَسْتُورٌ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَبَشَرَةُ الْوَجْهِ سَاتِرُهَا طَارِئٌ فَانْتَقَلَ الْفَرْضُ إلَيْهِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ يُرِيدُ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ» اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ فَقَالَ قَوْمٌ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْإِقْبَالَ هُوَ إلَى قَفَاهُ وَالْإِدْبَارَ إلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّهُ بَدَأَ بِنَاصِيَتِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ بِيَدَيْهِ إلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ أَدْبَرَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى نَاصِيَتِهِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ فَيَصِيرُ الْإِقْبَالُ مُتَبَعِّضًا وَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ وَسَطِ رَأْسِهِ حَتَّى انْتَهَى إلَى وَجْهِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ سُنَّةَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَنْ يَبْدَأَ بِطَرَفِهَا فَيَجِبُ أَنْ يُجْرَى الرَّأْسُ مَجْرَاهَا فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ إنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي رُتْبَةً وَإِنَّهُ قَدَّمَ الْإِقْبَالَ فِي اللَّفْظِ وَهُوَ مُؤَخَّرٌ فِي الْعَمَلِ وَهَذَا أَصَحُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ.
(فَصْلٌ) :
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسْحِ الرَّأْسِ يَقْتَضِي ثَلَاثَةَ أَبْوَابٍ حَدَّهُ وَإِيصَالَ الْمَاءِ إلَيْهِ وَاسْتِيعَابَهُ.
(بَابُ بَيَانِ حَدِّ الرَّأْسِ) .
أَمَّا حَدُّهُ فَهُوَ مَنَابِتُ شَعْرِهِ مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ إلَى آخِرِ مَنَابِتِ شَعْرِهِ مِمَّا يَلِي الْقَفَا وَفِي الْعَرْضِ مَا بَيْنَ الصُّدْغَيْنِ وَهُوَ حَدُّ مَنَابِتِ الشَّعْرِ الْمُضَافِ إلَى الرَّأْسِ مِمَّا يَلِيهِمَا.
وَقَدْ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّ شَعْرَ الصُّدْغَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ يَدْخُلُ فِي الْمَسْحِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَاهُ عِنْدِي مَا فَوْقَ الْعَظْمِ مِنْ حَيْثُ يَعْرُضُ الصُّدْغُ مِنْ جِهَةِ الرَّأْسِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ يَحْلِقُهُ الْمُحْرِمُ وَأَمَّا مَا دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ الرَّأْسِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ شَعْرُ الْعَارِضَيْنِ مِنْ الْخِفَّةِ بِحَيْثُ لَا يَسْتُرُ الْبَشَرَةَ لَزِمَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] هَذَا يَقْتَضِي عِنْدَهُ أَنَّ الْعَارِضَ مِنْ الْوَجْهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي مِنْ مَوْضِعِ الْعَظْمِ وَحَيْثُ يَبْتَدِئُ نَبَاتُ الشَّعْرِ بِعَرْضٍ مِنْ جِهَةِ الْوَجْهِ.