(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَنَى رَحْبَةً فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ تُسَمَّى الْبُطَيْحَاءَ وَقَالَ مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَلْغَطَ أَوْ يُنْشِدَ شِعْرًا أَوْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ فَلْيَخْرُجْ إلَى هَذِهِ الرَّحْبَةِ) .

ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَلَوْ خَرَجَ إلَى بَابِهِ فَشَرِبَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ يَسِيرَ الْعَمَلِ خَفِيفٌ وَكَثِيرَهُ مَكْرُوهٌ وَيُرَاعَى مَعَ ذَلِكَ عَيْنُ الطَّعَامِ فَيُكْرَهُ إحْضَارُ الْكَثِيرِ مِنْهُ فِي الْمَسْجِدِ وَخَفَّفَ فِي إحْضَارِ يَسِيرِهِ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي الْقَوْمِ يُفْطِرُونَ فِيهِ عَلَى كَعْكٍ وَتَمْرٍ مَنْزُوعِ النَّوَى ثُمَّ يَخْرُجُونَ فَيَتَمَضْمَضُونَ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَأُرَخِّصُ لِبَعِيدِ الدَّارِ أَنْ يَأْتِيَهُ فِيهِ طَعَامُهُ قَالَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَالْمُعْتَكِفُ وَالْمُضْطَرُّ وَالْمُجْتَازُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ الْمَسَاجِدُ تُتَّخَذُ فِي الْقُرَى لِلْأَضْيَافِ فَيَبِيتُونَ وَيَأْكُلُونَ خُفِّفَ فِيهَا فَاتَّفَقَتْ أَقْوَالُهُمْ عَلَى الْمَنْعِ عَلَى وَجْهَيْنِ الْإِكْثَارِ وَإِحْضَارِ كَثِيرِ الطَّعَامِ وَالْغِنَى عَنْ ذَلِكَ وَتَجْوِيزِهِ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ كَشُرْبِ الْمَاءِ وَالسَّوِيقِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَتَجْوِيزِهِ فِي الْمُتَوَسِّطِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَكَرِهَهُ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْمَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ فَجَوَّزَهُ مَالِكٌ لِلْغُرَبَاءِ دُونَ الرَّجُلِ الْحَاضِرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِلْحَاضِرِ الضَّيْفِ دُونَ مَنْ لَهُ مَنْزِلٌ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ وَهْبٍ لَا تُوقَدُ نَارٌ فِي الْمَسْجِدِ وَجَوَّزَ مَالِكٌ التَّعْزِيرَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَسْوَاطَ الْيَسِيرَةَ دُونَ مَا كَثُرَ مِنْ الضَّرْبِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : هَذِهِ الْبُطَيْحَاءُ بِنَاءٌ يُرْفَعُ عَلَى الْأَرْضِ أَزَيْدَ مِنْ الذِّرَاعِ وَيُحْدَقُ حَوَالَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ جِدَارٍ قَصِيرٍ وَيُوَسَّعُ كَهَيْئَةِ الرَّحْبَةِ وَيُبْسَطُ بِالْحَصْبَاءِ يُجْتَمَعُ فِيهَا لِلْجُلُوسِ وَلَمَّا رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَثْرَةَ جُلُوسِ النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ وَتَحَدُّثَهُمْ فِيهِ وَرُبَّمَا أَخْرَجَهُمْ ذَلِكَ إلَى اللَّغَطِ وَهُوَ الْمُخْتَلِطُ مِنْ الْقَوْلِ وَارْتِفَاعِ الْأَصْوَاتِ وَرُبَّمَا جَرَى فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ إنْشَادُ شِعْرٍ بَنَى هَذِهِ الْبَطْحَاءَ إلَى جَانِبِ الْمَسْجِدِ وَجَعَلَهَا لِذَلِكَ لِيَتَخَلَّصَ الْمَسْجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يَحْسُنُ مِنْ الْقَوْلِ وَيُنَزَّهُ مِنْ اللَّغَطِ وَإِنْشَادِ الشِّعْرِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ فِيهِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ فِيهِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْكَرَاهِيَةِ وَتَنْزِيهِ الْمَسَاجِدِ لَا سِيَّمَا مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَجِبُ لَهُ مِنْ التَّعَظُّمِ وَالتَّنْزِيهِ مَا لَا يَجِبُ لِغَيْرِهِ.

وَقَدْ رَوَى السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ كُنْت قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ فَنَظَرْت فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ اذْهَبْ فَأْتِينِي بِهَذَيْنِ فَجِئْته بِهِمَا فَقَالَ مَنْ أَنْتُمَا فَقَالَا مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ قَالَ لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَادَ ابْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إنَّ مَسْجِدَنَا هَذَا لَا يُرْفَعُ فِيهِ الصَّوْتُ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ قَدْ رَأَيْت مَالِكًا يَعِيبُ عَلَى أَصْحَابِهِ رَفْعَ أَصْوَاتِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ عَلَّلَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بِعِلَّتَيْنِ:

إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُنَزَّهَ الْمَسْجِدُ مِنْ مِثْلِ هَذَا وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْمَسْجِدَ مِمَّا أُمِرْنَا بِتَعْظِيمِهِ وَتَوْقِيرِهِ.

وَالثَّانِيَةُ: لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ لِلصَّلَاةِ وَقَدْ أُمِرْنَا أَنْ نَأْتِيَهَا وَعَلَيْنَا السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَبِأَنَّ لِمُلْتَزِمٍ ذَلِكَ بِمَوْضِعِهَا الْمُتَّخِذِ لَهَا أَوْلَى.

(مَسْأَلَةٌ) :

قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ فِي الَّذِي يَنْشُدُ الضَّالَّةَ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَقُومُ رَافِعًا صَوْتَهُ وَأَمَّا أَنْ يَسْأَلَ عَنْ ذَلِكَ جُلَسَاءَهُ غَيْرَ رَافِعٍ لِصَوْتِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ مَمْنُوعٌ فِي الْمَسَاجِدِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فَأَمَّا سُؤَالُهُ جَلِيسَهُ فَمِنْ جِنْسِ الْمُحَادِثَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مَا لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ اللَّغَطُ مِنْ الْإِكْثَارِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ رَفْعُ الْأَصْوَاتِ مَمْنُوعٌ فِي الْمَسَاجِدِ إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَالْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ وَالْخُصُومَةِ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ الْمَسْجِدَ يَجْمَعُ النَّاسَ وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ مِثْلِ هَذَا.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي إنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يُحْتَجَّ فِيهِ بِمَا جَوَّزَهُ مَالِكٌ مِنْ جُلُوسِ الْحَاكِمِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ وَلَا بُدَّ لِلْمُتَخَاصِمِينَ مِنْ رَفْعِ الْأَصْوَاتِ فَعَلَى هَذَا يُبَاحُ فِيهِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لِلضَّرُورَةِ مِنْ الْمُرَاجَعَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015