(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ كَانَ إذَا مَرَّ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَبِيعُ فِي الْمَسْجِدِ دَعَاهُ فَسَأَلَهُ مَا مَعَك وَمَا تُرِيدُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَهُ قَالَ عَلَيْك بِسُوقِ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا هَذَا سُوقُ الْآخِرَةِ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْضِعِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَكَلَّفُ فِيهِ طُولَ الْمَسَافَةِ فَيَقْتَحِمُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ يُرِيدُ بِذَلِكَ عَدَدَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ وُجُوبِ غَيْرِهَا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَمَا تَرَوْنَ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ الدَّرَنُ الْوَسَخُ عَلَى الْبَدَنِ وَمَعْنَى ذَلِكَ التَّقْرِيرُ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الِاسْتِفْهَامِ وَإِذَا كَانَ هَذَا حُكْمَ الصَّلَوَاتِ فِي أَنَّهَا لَا تُبْقِي سَيِّئَةً وَلَا ذَنْبًا إلَّا كَفَّرَتْهُ فَمَا عِلْمُكُمْ أَيْنَ بَلَغَتْ بِالثَّانِي صَلَاتُهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ بَعْدَ أَخِيهِ.
(ش) : قَوْلُ عَطَاءٍ لِمَنْ مَرَّ فِي الْمَسْجِدِ مَا مَعَك لِئَلَّا يَكُونَ مَا مَعَهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْبَيْعَ أَوْ مِمَّا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَإِذَا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ بَيْعَهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ بَيْعَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ عَلَيْكَ بِسُوقِ الدُّنْيَا وَأَعْلَمُهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا هُوَ سُوقُ الْآخِرَةِ لَمْ يُتَّخَذْ إلَّا لِلصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: قُرْبَةٌ وَغَيْرُ قُرْبَةٍ فَأَمَّا الْقُرْبَةُ الَّتِي بُنِيَتْ لَهَا الْمَسَاجِدُ فَالصَّلَاةُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنُ وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فَأَفْعَالٌ وَأَقْوَالٌ الْأَفْعَالُ فَكَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَكْلِ وَعَمَلِ الصَّنَائِعِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَأَمَّا الْبَيْعُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي الْمَسْجِدِ دِينًا فَأَمَّا مَا كَانَ بِمَعْنَى التِّجَارَةِ وَالصَّرْفِ فَلَا أُحِبُّهُ فَأُرَخِّصُ فِي الْقَضَاءِ لِخِفَّتِهِ وَقِلَّةِ مَا يَحْظُرُ مِنْهُ فَأَمَّا الْمُصَارِفَةُ فَيَحْظُرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ بِمَا يُعَاوَضُ بِهِ وَتَكْثُرُ الْمُرَاجَعَةُ وَهَذَانِ الْمَعْنَيَانِ هُمَا الْمُؤَثِّرَانِ فِي الْمَنْعِ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ كَثْرَةَ اللَّغَطِ وَلَمْ يَحْظُرْ فِيهِ يَسِيرَ الْعَمَلِ وَلَوْ كَانَ قَضَاءُ الْمَالِ جَسِيمًا تَتَكَلَّفُ الْمُؤْنَةُ فِي اسْتِجْلَابِهِ وَوَزْنِهِ وَانْتِقَادِهِ وَيَكْثُرُ الْعَمَلُ فِيهِ لِكَثْرَتِهِ لَكَانَ مَكْرُوهًا وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ لَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُظْهِرَ سِلْعَةً فِي الْمَسْجِدِ لِلْبَيْعِ فَأَمَّا أَنْ يُسَاوِمَ رَجُلًا بِثَوْبٍ عَلَيْهِ أَوْ سِلْعَةٍ تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهُ لَهَا وَمَعْرِفَتُهُ بِهَا فَيُوَاجِبُهُ الْبَيْعَ فِيهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَبِيعَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَشْتَرِيَ شَيْئًا حَاضِرًا وَلَا غَائِبًا أَمَّا الْحَاضِرُ فَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِلسِّلَعِ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ صَارَ الْمَسْجِدُ سُوقًا وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِحَاضِرٍ كَالدُّورِ وَالْأُصُولِ وَبَيْعِ الصِّفَةِ وَشَبَهِهِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ اللَّغَطِ وَاللَّغْوِ.
وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ مَا هُوَ أَخَفُّ مِنْ هَذَا فَاعْتَبَرَ مَالِكٌ إحْضَارَ الْعَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ مِنْ النَّاسِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَثْرَةَ الْمُرَاجَعَةِ الْمُبَلِّغَةِ إلَى اللَّغَطِ وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ رَاجِعٌ إلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَجُوزُ مِنْ كِلَا الْوَجْهَيْنِ الْيَسِيرُ إذَا انْفَرَدَ وَلَعَلَّهُ إذَا اجْتَمَعَا فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْيَسِيرَ مِنْهُمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الصَّرْفِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَقَالَ مَالِكٌ فِي السُّؤَالِ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ وَيَقُولُونَ قَدْ وَقَفْنَا مُنْذُ يَوْمَيْنِ وَيَذْكُرُونَ حَاجَتَهُمْ أَرَى أَنْ يُنْهَوْا عَنْ ذَلِكَ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فِي الْمَسْجِدِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي ذِكْرِ الْحَقِّ يُكْتَبُ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ أَمَّا الشَّيْءُ الْخَفِيفُ فَنَعَمْ وَأَمَّا شَيْءٌ يَطُولُ فَلَا أُحِبُّهُ وَلَمْ أَرَ لَهُ شَيْئًا فِي كَتَبَةِ الْمَصَاحِفِ فِي الْمَسْجِدِ.
وَقَدْ كَرِهَ سَحْنُونَ تَعْلِيمَ الصِّبْيَانِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَعَلَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ لِقِلَّةِ تَوَقِّيهِمْ فِيهِ وَأَمَّا الرَّجُلُ الْمُتَوَقِّي الَّذِي يَصُونَ الْمَسْجِدَ وَيَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ فَظَاهِرُهُ الْجَوَازُ وَإِنْ كَانَ مَنَعَهُ سَحْنُونَ لِأَنَّهُ عَمَلٌ ظَاهِرٌ عَلَى صُورَةِ الصَّنَائِعِ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَنْعُ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ فِيهِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْخِيَاطَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَعْمَالِ الطَّاهِرَةِ الَّتِي لَا تَتَعَلَّقُ بِالْقُرَبِ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونَ لَا يَجْلِسُ فِيهِ لَلْخِيَاطَةِ وَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ سَائِرُ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُشْبِهُ الْخِيَاطَةَ عَلَى ذَلِكَ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْأَكْلُ فِي الْمَسْجِدِ فَفِي الْمَبْسُوطِ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَكْلَ الْأَطْعِمَةِ اللَّحْمِ وَنَحْوِهِ فِي الْمَسْجِدِ زَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَوْ رِحَابِهِ وَأَمَّا الصَّائِمُ يَأْتِيهِ مِنْ دَارِهِ السَّوِيقُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَوْ الطَّعَامُ الْخَفِيفُ فَلَا بَأْسَ بِهِ زَادَ