(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ «عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ أَعْمَى وَأَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالْمَطَرُ وَاللَّيْلُ وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ فَأَشَارَ إلَى مَكَان مِنْ الْبَيْتِ فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ «رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى» مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ) .

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ يُرِيدُ أَنَّهُ أَرَادَ عَذَابَ قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ وَإِنَّمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فِي مَرَضِهِ تَحْذِيرًا مِمَّا صَنَعَهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ ذَلِكَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ فَغَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْمَقَابِرِ الَّتِي دُرِسَتْ وَغُيِّرَتْ قَالَ وَإِنَّمَا هِيَ مِثْلُ غَيْرِهَا مِنْ الْأَرْضِينَ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَا يُصَلَّى فِي الْمَقَابِرِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا النَّبْشُ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ فَقَدْ نَصَّ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا بُقْعَةٌ خُصَّتْ بِأَهْلِ الْعَذَابِ وَسَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى فَشُرِعَ اجْتِنَابُهَا كَمَا شُرِعَ تَحَرِّي مَوَاضِعِ الصَّالِحِينَ وَلِذَلِكَ كَانَ يَتَحَرَّى عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالنَّاسُ بَعْدَهُ مَوْضِعَ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُصَلُّونَ فِيهِ.

(ش) : قَوْلُهُ إنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ أَعْمَى دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إمَامَةِ الْأَعْمَى لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ تَكَرُّرِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ إنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالْمَطَرُ وَالسَّيْلُ وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ يُرِيدُ أَنَّ هَذِهِ مَوَانِعُ لَهُ عَنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي يَؤُمُّ فِيهِ وَعَنْ شُهُودِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ مَكَانًا يَتَّخِذُهُ مُصَلًّى يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِهِ فِي مَكَان يَخُصُّهُ بِصَلَاتِهِ لِبَرَكَةِ النَّبِيِّ فِيهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ يَسْأَلُهُ عَنْ الْمَكَانِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يَتَّخِذَهُ مُصَلًّى إمَّا لِطَهَارَتِهِ أَوْ تَمَكُّنِهِ مِنْ إفْرَادِهِ لِذَلِكَ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي فَأَشَارَ لَهُ عِتْبَانُ إلَى مَكَان مِنْ الْبَيْتِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِشَارَةِ قَوْلُهُ هَذَا الْمَكَانُ الَّذِي أُحِبُّهُ فَنَقَلَ الرَّاوِي الْإِشَارَةَ دُونَ الْقَوْلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِتْبَانُ اكْتَفَى بِالْإِشَارَةِ خَاصَّةً لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَعْيِينًا لِمَوْضِعِ اخْتِيَارِهِ.

(ش) : قَدْ رَوَى اللَّيْثُ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ» .

وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ وَلَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ فِيهِمَا فَيَقْتَضِي بِأَنَّ أَحَدَهُمَا نَاسِخٌ لِلْآخَرِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْتَصُّ بِجَوَازِ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ وَنَهَى عَنْهُ غَيْرَهُ لِأَنَّ نَهْيَهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنَّ فِعْلَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ وَتَكَرُّرَ ذَلِكَ مِنْهُمَا مَعَ عَدَمِ الْخِلَافِ عَلَيْهِمَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ لِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَوَجْهٌ ثَانٍ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ مُتَوَجِّهٌ إلَى صِفَةٍ وَهُوَ أَنْ يُقِيمَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَيَضَعَ عَلَيْهَا الْأُخْرَى لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَسْتَبِدُّ مُؤْتَزِرٌ بِفِعْلِ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ التَّحَذُّرِ وَإِنَّ فِعْلَ مَنْ يَفْعَلُ فِعْلَهُ إنَّمَا كَانَ بِأَنْ يَبْسُطَ إحْدَى رِجْلَيْهِ يَمُدَّهَا وَيَضَعَ عَلَيْهَا الْأُخْرَى، وَوَجْهٌ ثَالِثٌ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنِهِمَا وَهُوَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ مَنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى كَشْفِ عَوْرَتِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَخْتَصَّ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ بِالْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ لِمَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015