. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَأْتِي بَعْدَ هَذَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِجَرْهَدٍ غَطِّ فَخْذَك فَإِنَّ الْفَخْذَ عَوْرَةٌ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مَوْضِعٌ يَسْتُرُهُ الْمِئْزَرُ غَالِبًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعَوْرَةِ كَالْقُبُلِ وَالدُّبُرِ.
(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ الْعَوْرَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُغَلَّظَةٌ وَمُخَفَّفَةٌ فَالْمُغَلَّظَةُ هِيَ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ وَالْمُخَفَّفَةُ سَائِرُ مَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا أَنَّهُ مِنْ الْعَوْرَةِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ لَيْسَ بِبَعِيدٍ عِنْدِي هَذَا الْقَوْلُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ مَا يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ قَالَ مَنْ صَلَّى وَفَخِذُهُ مَكْشُوفَةٌ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَقَدْ يَسْقُطُ فَرْضُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ مَعَ عَدَمِ مَا تُسْتَرُ بِهِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ صَلَّى قَائِمًا وَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُصَلِّي جَالِسًا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ أَرْكَانِهَا بِالْعَجْزِ عَنْهُ كَالْوُضُوءِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا مِقْدَارُ الْفَضِيلَةِ لِلرِّجَالِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى كَتِفَيْهِ ثَوْبٌ يَسْتُرُهُمَا وَيُكْرَهُ أَنْ لَا يُلْقِي عَلَى كَتِفَيْهِ مِنْ ثَوْبِهِ شَيْئًا إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ فِي ذَلِكَ خُرُوجًا عَنْ الْوَقَارِ الْمَشْرُوعِ فِي الصَّلَاةِ.
بَابٌ وَأَمَّا صِفَةُ الْمَلْبُوسِ وَاللِّبَاسِ فَإِنَّ الْمَلْبُوسَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ثَوْبًا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ ثَوْبًا وَاحِدًا فَإِنَّ مِنْ صِفَتِهِ الْجَامِعَةِ لِأَنْوَاعِهِ أَنْ يَسْتُرَ جَمِيعَ الْعَوْرَةِ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ الصَّفَاقَةِ وَالْمَتَانَةِ بِحَيْثُ لَا يَصِفُ وَلَا يَشِفُّ فَإِنْ كَانَ خَفِيفًا يَشِفُّ أَوْ رَقِيقًا يَصِفُ فَقَدْ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِيهِ وَمَنْ صَلَّى فِيهِ أَعَادَ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ وَسَتْرُهَا هُوَ الْمَشْرُوعُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ صَلَّى وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ وَرِدَاءٌ أَوْ رِدَاءٌ وَإِزَارٌ فَقَدْ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَطْرَحَ الرِّدَاءَ عَنْ مَنْكِبَيْهِ لِلْحَرِّ فِي الْفَرِيضَةِ وَخَفَّفَ فِي النَّافِلَةِ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُرَاعَى فِي الْمَكْتُوبَةِ مَا لَا يُرَاعَى فِي النَّافِلَةِ لِأَنَّهَا أَهَمُّ وَالْحِرْصُ عَلَى إتْمَامِهَا آكَدُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَلْبَسَ الْمُصَلِّي ثِيَابَهُ عَلَى أَفْضَلِ هَيْئَاتِهَا مِنْ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ لِأَنَّ السَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ خَالَفَ هَذِهِ الصِّفَةَ بِأَنْ يُشَمِّرَ كُمَّهُ أَوْ يَشُدَّ ثِيَابَهُ بِحِزَامٍ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لِشُغْلٍ هُوَ فِيهِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُزِيلَ ذَلِكَ عَنْهُ وَيُصَلِّيَ الصَّلَاةَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ فَإِنْ صَلَّى عَلَى حَالِ التَّشْمِيرِ أَجْزَأَهُ وَلَمْ يَخْرُجْ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِصَلَاتِهِ فَقَدْ أَسَاءَ وَخَالَفَ السُّنَّةَ لِأَنَّهُ قَصَدَ الصَّلَاةَ بِمَا يُخَالِفُهَا وَتَهَيَّأَ لَهَا بِمَا يُضَادُّ هَيْئَاتِهَا إلَّا أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ مُشْتَمِلًا بِهِ قَالَ الْأَخْفَشُ الِاشْتِمَالُ أَنْ يَلْتَحِفَ مِنْ رَأْسِهِ إلَى قَدَمَيْهِ وَالتَّوَشُّحُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ مِنْ تَحْتِ يَمِينِهِ فَيَرُدَّهُ عَلَى مَنْكِبِهِ مِنْ يَمِينِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَ الْأَخْفَشُ لَيْسَ هَذَا هُوَ الِاشْتِمَالُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هُوَ نَوْعٌ مِنْ الِاشْتِمَالِ وَالِاشْتِمَالُ عَلَى أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: التَّوَشُّحُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ الْمُبَاحُ فِي الصَّلَاةِ.
وَالثَّانِي: اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ وَهُوَ الَّذِي «أَنْكَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حِينَ قَالَ لَهُ مَا هَذَا الِاشْتِمَالُ» وَقَدْ وَرَدَ الْمَنْعُ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ أَنْ يَشْتَمِلَ فِي الثَّوْبِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَتَكُونَ يَدَاهُ تَحْتَ الثَّوْبِ فَهَذَا مُنِعَ فِي الصَّلَاةِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إزَارٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يُبَاشِرَ الْأَرْضَ بِيَدِهِ لِلسُّجُودِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ أَوْ يُخْرِجَ يَدَيْهِ لِذَلِكَ فَتَبْدُوَ عَوْرَتُهُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِنْ كَانَ إزَارُ غَيْرِ الثَّوْبِ الَّذِي يَشْتَمِلُ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَأْمَنُ حِينَئِذٍ مِنْ كَشْفِ عَوْرَتِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا الْكَرَاهِيَةُ وَبِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَوَجْهُ ذَلِكَ التَّعَلُّقُ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ مِنْ الِاشْتِمَالِ هُوَ الِاضْطِبَاعُ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ أَنْ يَرْتَدِيَ وَيُخْرِجَ ثَوْبَهُ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ الْيُمْنَى فَيَرُدَّهُ عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى