مَا جَاءَ فِي إضَاعَةِ الْمَالِ وَذِي الْوَجْهَيْنِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ وَيَسْخَطُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَإِضَاعَةُ الْمَالِ وَكَثْرَةُ السُّؤَالِ» .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّغِيرُ مِنْ أَيِّ لَوْنٍ كَانَ وَوَصْفُهَا بِالسَّوَادِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَلْوَانِ الْكُفْرِ وَبِذَلِكَ وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وُجُوهَ الْكُفَّارِ فِي الْآخِرَةِ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران: 106] وَلِذَلِكَ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى يَسْوَدَّ قَلْبُهُ فَيُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْكَاذِبِينَ يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَتَّصِلَ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى تَسْتَوْعِبَ النُّكْتَةُ قَلْبَهُ وَلَا يَزُولُ شَيْءٌ مِنْهَا بِالتَّوْبَةِ فَيُكْتَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْكَاذِبِينَ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُبْعِدُ ذَلِكَ عَنْهُ فَيَمْنَعُ التَّوْبَةَ وَلَا يُوَفَّقُ لِشَيْءٍ يُزِيلُ عَنْهُ مَا هُوَ فِيهِ، نَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ الْعِصْمَةَ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا؟ قَالَ: نَعَمْ» وَكَذَلِكَ فِي الْبَخِيلِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ لَا يَكُونُ كَذَّابًا.
[مَا جَاءَ فِي إضَاعَةِ الْمَالِ وَذِي الْوَجْهَيْنِ]
(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ مَعْنَاهُ بِعَهْدِ اللَّهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الِاعْتِصَامُ بِحَبْلِ اللَّهِ تَعَالَى تَرْكُ الْفُرْقَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَلَيْكُمْ بِحَبْلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ كِتَابُهُ، قَالَ وَالْحَبْلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَنْصَرِفُ عَلَى وُجُوهٍ مِنْهَا الْعَهْدُ وَهُوَ الْأَمَانُ قَالَ الشَّاعِرُ
، وَإِذَا تَجَوَّزَهَا حِبَالُ قَبِيلَةٍ ... أَخَذْت مِنْ الْأُخْرَى إلَيْك حِبَالَهَا
وَالْحَبْلُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ الْمُوَاصَلَةُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - شَأْنَكُمْ وَهُمْ الْأَئِمَّةُ فَإِنَّ مُنَاصَحَتَهُمْ مُنَاصَحَةُ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا» قِيلَ وَقَالَ قَالَ مَالِكٌ هُوَ الْإِكْثَارُ مِنْ الْكَلَامِ وَالْإِرْجَافُ نَحْوُ قَوْلِ النَّاسِ قَالَ فُلَانٌ وَفَعَلَ فُلَانٌ وَالْخَوْضُ فِيمَا لَا يَنْبَغِي، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يُرِيدُ قِيلًا وَقَالًا، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِتَضْيِيعِهِ تَرْكَ تَثْمِيرِهِ وَحِفْظِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ إنْفَاقَهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ مِنْ السَّرَفِ وَالْمَعَاصِي.
وَقَالَ مَالِكٌ إضَاعَةُ الْمَالِ أَنْ يَرْزُقَك اللَّهُ رِزْقًا فَتُنْفِقَهُ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْك وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا أَدْرِي أَهُوَ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَسَائِلِ فَقَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا أَوْ هُوَ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ» ) .
(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ» وُصِفَ بِذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهِ التَّوَدُّدِ إلَيْهِمْ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَالرِّضَا عَنْ قَوْلِهِمْ وَفِعْلِهِمْ فَإِذَا زَالَ عَنْهُمْ وَصَارَ مَعَ مُخَالِفِيهِمْ لَقِيَهُمْ بِوَجْهِ مَنْ يَكْرَهُ الْأَوَّلِينَ وَيُسِيءُ الْقَوْلَ فِيهِمْ وَالذَّمَّ لِفِعْلِهِمْ وَقَوْلِهِمْ.