. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ لَوْ أَخَذَ فِيهِمْ بِالْأَيْسَرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْجَلْدُ وَالنَّفْيُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَالَ: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ وَيَقْتَضِي مِنْ قَوْلِ عُمَرَ أَنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِاجْتِهَادِهِ، وَإِنْ رَأَى خِلَافَ رَأْيِ الْإِمَامِ إذَا كَانَ مِمَّا يُسْرِعُ فِيهِ الِاجْتِهَادَ.
وَقَالَ بِهِ الْعُلَمَاءُ، وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَلَزِمَ الْعَامِلَ أَنْ لَا يُنَفِّذَ إلَّا رَأْيَ الْإِمَامِ لَقُدِّمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إذَا رَآهُ الْأَفْضَلَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ شَاوَرَهُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ لَهُ فِيهِ اعْتِقَادُ صِحَّتِهِ مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ وَأَعْلَمَ عُمَرَ بِمَا ظَهَرَ إلَيْهِ لِيَعْلَمَ بِذَلِكَ مُوَافَقَتَهُ لَهُ أَوْ لِيُظْهِرَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْحُكْمِ الَّذِي يَخْتَارُهُ دَلِيلًا يَرَى الرُّجُوعَ إلَيْهِ وَالْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ، وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْحَكَمَيْنِ أَنَّ لَهُمَا أَنْ يَحْكُمَا بِمَا أَدَّاهُمَا اجْتِهَادُهُمَا إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِرَأْيِ مَنْ أَرْسَلَهُمَا.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْقَتْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْآيَةِ وَاخْتَارَهُ مَالِكٌ فِيمَنْ طَالَتْ إخَافَتُهُ السَّبِيلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا أَنْ يُقْتَلَ فَقَطْ، وَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَا يُجْلَدُ بِالسِّيَاطِ قَبْلَ الْقَتْلِ قَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ وَلَا رِجْلُهُ مَعَ الْقَتْلِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الصَّلْبُ فَهُوَ الرَّبْطُ عَلَى الْجُذُوعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] قَالَ مُحَمَّدٌ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة: 33] أَيْ يُصَلِّبَهُ ثُمَّ يَقْتُلَهُ مَصْلُوبًا بِطَعْنَتِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ.
وَقَالَ أَشْهَبُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ ثُمَّ يَصْلُبُهُ وَلَهُ أَنْ يَصْلُبَهُ ثُمَّ يَقْتُلُهُ مَصْلُوبًا، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَهُوَ الَّذِي يَرْوِيهِ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ يُقْتَلُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ يُصْلَبُ أَنَّ التَّغْلِيظَ بِالْقَتْلِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي نَفْسِ الْمُحَارِبِ وَلَا غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا التَّغْلِيظُ بِمَا يُفْعَلُ بِهِ حِينَ الْمَوْتِ مِنْ الصَّلْبِ وَالتَّشْنِيعِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْقَتْلَ فِي الْحُدُودِ يَمْنَعُ مَا قَبْلَهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ لَا يُقْطَعُ وَلَا يُضْرَبُ قَبْلَ الْقَتْلِ، ثُمَّ يُقْتَلُ فَلَمَّا امْتَنَعَ التَّغْلِيطُ بِالضَّرْبِ قَبْلَ الْقَتْلِ وَوَرَدَ بِهِ النَّصُّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَتْلِ.
1 -
(فَرْعٌ) وَلَوْ حَبَسَهُ الْإِمَامُ لَيَصْلُبَهُ فَمَاتَ فِي السِّجْنِ فَإِنَّهُ لَا يُصْلَبُ وَلَوْ قَتَلَهُ أَحَدٌ فِي السِّجْنِ أَوْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ فَلْيَصْلُبْهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ فَقَدْ فَاتَتْ الْعُقُوبَةُ فِيهِ فَلَا مَعْنَى لِصَلْبِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الْقَتْلِ أَوْ تَشْنِيعٌ لِلْقَتْلِ بَعْدَ وُقُوعِهِ فَإِذَا فَاتَ الْقَتْلُ بِالْمَوْتِ سَقَطَتْ صِفَتُهُ وَتَوَابِعُهُ، وَإِنَّمَا يُصْلَبُ لَيَظْهَرَ قَتْلُهُ وَلِيَبْقَى فَيُنْظَرَ إلَيْهِ فَيُزْدَجَرَ بِهِ، وَإِذَا مَاتَ فَلَا مَعْنَى لِصَلْبِهِ لِيَبْقَى عَلَى هَذِهِ الْحَالِ؛ لِأَنَّهَا حَالُ كُلِّ نَفْسٍ، وَأَمَّا إذَا قُتِلَ فِي السِّجْنِ فَقَدْ وَجَبَ الْقَتْلُ فَثَبَتَ تَوَابِعُهُ.
(فَرْعٌ) وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي بَقَائِهِ عَلَى الْجِذْعِ فَقَالَ أَصْبَغُ لَا بَأْسَ أَنْ يُخَلَّى لِمَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ إنْزَالَهُ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ، وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ إذَا صُلِبَ وَقُتِلَ نَزَلَ تِلْكَ السَّاعَةَ يُدْفَعُ إلَى وَلِيِّهِ يَدْفِنُهُ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْهُ أَهْلُهُ وَلَا غَيْرُهُمْ حَتَّى تَفْنَى الْخَشَبَةُ وَتَأْكُلَهُ الْكِلَابُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَيِّتٌ عَلَى الْإِسْلَامِ قُتِلَ فِي عُقُوبَةٍ فَثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالدَّفْنِ كَسَائِرِ مَنْ قُتِلَ فِي حَدٍّ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إنَّمَا صُلِبَ لِتَشْنِيعِ أَمْرِهِ وَيَبْقَى مَعْنَى الِازْدِجَارِ بِهِ، وَذَلِكَ يُنَافِي إنْزَالَهُ.
(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يُنْزَلُ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ يُنْزَلُ فَيُغَسِّلُهُ أَهْلُهُ، وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ إنْ رَأَى إعَادَتَهُ إلَى الْخَشَبَةِ فَعَلَ، وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِمَنْ سَأَلَهُ مِنْ الْأَنْدَلُسِ قَالَ: وَأَمَّا الَّذِي قَالَ لِي أَنَا فَلَا يُعَادُ إلَى الْخَشَبَةِ وَلَا يُتْرَكُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْقَتْلِ، وَلَكِنْ يُنْزَلُ وَيُدْفَعُ إلَى أَهْلِهِ فَمَعْنَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى الْخَشَبَةِ لِيَبْقَى وَجْهُ الِازْدِجَارِ بِهِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ يُقْتَلُ بَعْدَ الصَّلْبِ لِتَشْنِيعِ صِفَةِ قَتْلِهِ خَاصَّةً وَلَيْسَ الصَّلْبُ لِبَقَاءِ حَالِهِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ قَطْعَهُ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33]