(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَسْرِقُ مِرَارًا، ثُمَّ يُسْتَعْدَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ لِجَمِيعِ مَنْ سَرَقَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَرَقَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ قُطِعَ أَيْضًا) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَرَى أَنْ يُؤَخَّرَ فِي الْحَرِّ إذَا خِيفَ فِيهِ مَا يُخَافُ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ، وَأَمَّا الْمَرَضُ الْمَخُوفُ فَلَا يُقْطَعُ فِيهِ وَلَا يُجْلَدُ لِحَدٍّ وَلَا لِنَكَالٍ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَحَدُّ الْقَطْعِ فِي الْيَدِ الْكُوعُ وَفِي الرِّجْلِ مِنْ مَفْصِلِ الْكَعْبَيْنِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: 38] وَمَفْصِلُ الْكُوعِ أَوَّلُ مَفْصِلٍ يَقَعُ عَلَى مَا قُطِعَ مِنْهُ اسْمُ الْيَدِ، وَكَذَلِكَ مَفْصِلُ الْكَعْبَيْنِ هُوَ أَوَّلُ مَفْصِلٍ يَسْتَوْعِبُ بِقَطْعِهِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الرِّجْلِ وَالْقَدَمِ، وَلَمَّا تَعَلَّقَ بِالْقَدَمِ كَمَا تَعَلَّقَ بِالْيَدِ بِأَوَّلِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَالْيَدِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَتُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ ثُمَّ يُحْسَمُ مَوْضِعُ الْقَطْعِ بِالنَّارِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ مَالِكٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُحْرَقَ بِالنَّارِ لِيُقْطَعَ جَرْيُ الدَّمِ لِئَلَّا يَتَمَادَى جَرْيُهُ حَتَّى يَنْزِفَ فَيَمُوتَ، فَإِذَا أُحْرِقَتْ أَفْوَاهُ الْعُرُوقِ رَقَأَ وَمَنَعَ ذَلِكَ جَرْيَ الدَّمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ الْقَتْلُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ فَيَجِبُ أَنْ يُدْفَعَ عَنْهُ مَا يُفْضِي إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ الْمَوْتِ أَوْ ذَهَابِ سَائِرِ أَعْضَائِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَاعْتَرَفَ بِهِ الْأَقْطَعُ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَمَّا اعْتِرَافُهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءً، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَهْدِيدٍ وَتَشَدُّدٍ عَلَيْهِ، فَأَمَّا مَنْ اعْتَرَفَ بِهَا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالسَّرِقَةِ عَلَى وَجْهِ التَّوْبَةِ، وَهُوَ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُسْقِطُ الْحُدُودَ.
(فَرْعٌ) وَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ رَوَى الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ إنْ رَجَعَ إلَى شُبْهَةٍ سَقَطَ عَنْهُ الْقَطْعُ، وَلَزِمَهُ الْغُرْمُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَا لَمْ يَأْتِ مِنْ ذَلِكَ مَا يُشْبِهُ الْبَيِّنَةَ مِنْ ظُهُورِ بَعْضِ الْمَتَاعِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ التُّهَمِ فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَنْ اعْتَرَفَ بِسَرِقَةٍ مِنْ غَيْرِ مِحْنَةٍ وَلَا تَرْوِيعٍ لَمْ يُقْبَلْ.
(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ إلَى شُبْهَةٍ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ إنْ رَجَعَ إلَى شُبْهَةٍ وَكَذَبَ عَلَى نَفْسِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ، وَالْأُخْرَى يَلْزَمُ الْقَطْعُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ بِمِثْلِ هَذَا فِي حَدِّ الزِّنَا، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُرْمُ إذَا سَقَطَ عَنْهُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَالِ لَازِمٌ لَيْسَ لِلْمُقِرِّ الرُّجُوعُ عَنْهُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا إنْ اعْتَرَفَ بِمِحْنَةٍ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا أَقَرَّ بِهَا عَلَى الضَّرْبِ وَعَيَّنَهَا فَلَا يُقْطَعُ إذَا نَزَعَ قَالَ عَنْهُ عِيسَى إذَا اعْتَرَفَ بَعْدَ ضَرْبِ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ أَوْ حَبْسِ لَيْلَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إقْرَارُهُ كَانَ الْوَالِي عَدْلًا أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، وَرُبَّمَا أَخْطَأَ الْعَدْلُ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا أَقَرَّ فِي مِحْنَتِهِ، وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ قُطِعَ إلَّا أَنْ يَقُولَ دَفَعَهُ إلَيَّ فُلَانٌ، وَإِنَّمَا أَقْرَرْت لِلضَّرْبِ فَلَا يُقْطَعُ يُرِيدُ فِيمَا عُيِّنَ، قَالَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعَيَّنْ فَلَا يُقْطَعُ بِحَالٍ.
وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا أَخْرَجَ السَّرِقَةَ فَيَعْتَرِفُ أَنَّهَا الْمَسْرُوقَةُ فَهَذَا يُقْطَعُ، وَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ سَجْنٍ وَقَيْدٍ وَوَعِيدٍ وَإِنْ نَزَعَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُقِرِّ عَنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَتَّى تُبْرَزَ السَّرِقَةُ، وَقَالَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
(ش) : قَوْلُهُ فِي الَّذِي يَسْرِقُ مِرَارًا لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قَطْعُ يَدِهِ لِجَمِيعِ مَنْ سَرَقَ مِنْهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لَهُ إلَّا يَدٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ سَرَقَ مِائَةَ مَرَّةٍ لِوَاحِدٍ أَوْ لِجَمَاعَةٍ قَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ فَإِنَّ قَطْعَ يَدِهِ يُجْزِئُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ دُونَ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُطِعَتْ يَدُهُ لِسَرِقَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ أَوْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، ثُمَّ سَرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ أَيْضًا كَشَارِبِ الْخَمْرِ يَشْرَبُ مِائَةَ مَرَّةٍ فَلَا يُجْلَدُ عَلَيْهِ إلَّا جَلْدٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ شَرِبَ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ إنْ جُلِدَ لِشُرْبِ مَرَّةٍ أَوْ مِرَارًا فَإِنَّهُ يُسْتَأْنَفُ حَدُّهُ فَيُجْلَدُ كَمَا جُلِدَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَلَوْ سَرَقَ لِجَمَاعَةٍ فَقَامَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَقَطَعَ وَلَا يُعْلَمُ بِغَيْرِهِمْ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ