(ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الْغُرَّةُ تُقَوَّمُ بِخَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتِّمِائَةِ
(ش) : قَوْلُهُ إنَّ امْرَأَةً مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ الْأُخْرَى قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ الرَّمْيُ أَوْ الضَّرْبُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَقَوْلُهُ فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ الْجَنِينُ الْمَذْكُورُ مَا أَلْقَتْهُ الْمَرْأَةُ مِمَّا يُعْرَفُ أَنَّهُ وَلَدٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَلَّقًا قَالَ دَاوُد بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مَالِكٍ إذَا سَقَطَ مِنْهَا وَلَدٌ مُضْغَةً كَانَ أَوْ عَظْمًا كَانَ فِيهِ الرُّوحُ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ وَلَدٌ قَالَ عِيسَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِثْلَهُ عَنْ مَالِكٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ مِنْ خَلْقِهِ عَيْنٌ، وَلَا أُصْبُعٌ، وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ فَإِذَا عَلِمَ النِّسَاءُ أَنَّهُ وَلَدٌ فَفِيهِ الْغُرَّةُ، وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَتَكُونُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَقَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَا لَمْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا فَإِنَّهُ كَأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ أُمِّهِ فَإِنَّمَا فِيهِ عُشْرُ دِيَتِهَا فَإِنْ كَانُوا تَوْأَمَيْنِ فَأَكْثَرَ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِيهَا غُرَّتَانِ.
وَقَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَنِينٌ لَوْ انْفَرَدَ لَوَجَبَتْ فِيهِ الْغُرَّةُ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغُرَّةٍ الْغُرَّةُ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى الْإِنْسَانِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ الْغُرَّةُ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ، وَبَيَّنَ أَنَّ تِلْكَ الْغُرَّةَ يُجْزِي فِيهَا عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَلَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا، وَكَانَ يَحْتَمِلُ لَفْظُ الْحَدِيثِ الشَّكَّ مِنْ الرَّاوِي بِأَنْ يَكُونَ قَدْ حُفِظَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ، وَأَنَّهُ يَشُكُّ فِي تِلْكَ الْغُرَّةِ هَلْ هُوَ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَبِهِ فَسَّرَهُ مَالِكٌ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ آدَمِيٍّ يَجِبُ بِقَتْلِ آدَمِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالذِّكْرِ، وَلَا بِالْأُنْثَى كَالرَّقَبَةِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ الْغُرَّةُ مِنْ الْحُمْرَانِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ السُّودَانِ إلَّا أَنْ يَغْلُوا فَمِنْ أَوْسَطِ السُّودَانِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُمْرَانَ أَفْضَلُ أَنْوَاعِ الرَّقِيقِ، وَالدِّيَةُ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْجَانِي فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَدْوَنِهِ إلَّا أَنْ يُعْدَمَ فَيَكُونَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَسَطِ مِنْ السُّودَانِ، وَذَلِكَ مَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ عَنْ الْمِقْدَارِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْغُرَّةُ مَوْرُوثَةٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبِ، وَبِهَذَا أَخَذَ أَصْحَابُ مَالِكٍ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ.
وَقَالَ رَبِيعَةُ هِيَ لِلْأُمِّ خَاصَّةً، وَقَالَ ابْنُ هُرْمُزَ هِيَ لِلْأَبَوَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَحَدُهُمَا فَهِيَ لَهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ بِذَلِكَ مَرَّةً، ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ، وَبِقَوْلِ ابْنِ هُرْمُزَ قَالَ الْمُغِيرَةُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا دِيَةٌ فَكَانَتْ مَوْرُوثَةً عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَسَائِرِ الدِّيَاتِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ قَضَى فِي الْجَنِينِ يُقْتَلُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ يُرِيدُ أَنَّهَا لَمْ تُلْقِهِ إلَّا مَيِّتًا فَإِنَّهُ قَضَى فِيهِ بِالْغُرَّةِ فَقَالَ الَّذِي قَضَى عَلَيْهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ، وَمِثْلُ ذَلِكَ بَطَلَ، وَيُرْوَى بَاطِلٌ فَاعْتَرَضَ عَلَى نَصِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّهُ ظَنَّ أَنَّ مَا أَوْرَدَهُ عَامًّا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِمَا ظَهَرَ مِنْ حَالِ الْجَنِينِ، وَاعْتَقَدَ أَنَّ حُكْمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا خَرَجَ عَلَى أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الْجَنِينَ خَرَجَ حَيًّا فَأَنْكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ قَالَ «إنَّمَا هَذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ إلَّا مَا أَوْرَدَ مِنْ الْأَسْجَاعِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا الْكُهَّانُ عَلَى وَجْهِ الْإِلْبَاسِ عَلَى النَّاسِ أَوْ التَّمْوِيهِ عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى شَبَّهَهُ بِالْكَاهِنِ فِي سَجْعِهِ، وَغَيْرُ مَالِكٍ يَرْوِيه أَنَّهُ لَيْسَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ، وَأَقَرَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِ عَلَى مَا حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ الْحَقُّ فَإِنَّهُ مَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى.