يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا فَقَالُوا يَا رَسُول اللَّهِ كَيْفَ تَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فَزَعَمَ بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ» )
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْقَسَامَةِ] [تَبْدِئَةُ أَهْلِ الدَّمِ فِي الْقَسَامَةِ]
(ش) : قَوْلُهُ أَنَّ مُحَيِّصَةُ أَتَى فَأَخْبَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَخْبَرَهُ مَنْ عَايَنَ قَتْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَمِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْعَدْلِ، أَوْ يَكُونَ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مَنْ وَجَدَهُ مَقْتُولًا وَلَمْ يُعَايِنْ مَنْ قَتَلَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَقِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ قَائِمًا يَتَكَلَّمُ فِيهِ وَيَقُولُ قَتَلَنِي يَهُودُ وَوُصِفَ بِأَنَّهُ قَتِيلٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو قِلَابَةَ «أَنَّ نَفَرًا مِنْ الْأَنْصَارِ تَحَدَّثُوا فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَقُتِلَ فَخَرَجُوا بَعْدَهُ فَإِذَا بِصَاحِبِهِمْ يَتَشَحَّطُ فِي الدَّمِ، وَذَكَرَ حَدِيثَ الْقَسَامَةِ» وَفِيهِ تَبْدِئَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْأَيْمَانِ.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، أَوْ يَكُونُ لَوْثٌ مِنْ بَيِّنَةٍ عَلَى الْقَتْلِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَاطِعَةً فَأَمَّا قَوْلُ الْمَقْتُولِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ عِنْدَ مَالِكٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ تَعَلَّقَ مَالِكٌ وَمَنْ نَصَرَ مَذْهَبَهُ فِي ذَلِكَ بِخَبَرِ الْحَارِثِيَّيْنِ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي ذَلِكَ بِالْقَسَامَةِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ الْمَقْتُولَ قَالَ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَلَا عَلَى أَنَّهُ شَهِدَ بِقَتْلِهِ شَاهِدٌ.
وَالْحَدِيثُ مُحْتَمِلٌ وَقَدْ رَوَى بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُمْ تَأْتُونَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ قَالُوا مَا لَنَا بَيِّنَةٌ فَقَالَ أَتَحْلِفُونَ» فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا مَا لَنَا بَيِّنَةٌ نَسْتَحِقُّ بِهَا الْقِصَاصَ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ لَوْثٌ تُسْتَحَقُّ بِهِ الْقَسَامَةُ وَقَدْ أَشَارَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى التَّعَلُّقِ بِالْعَدَاوَةِ وَأَنَّ لَهَا تَأْثِيرًا فِي إيجَابِ الْقَسَامَةِ فَفِي النَّوَادِرِ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَلَمْ يَدْعُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَارِثِيَّيْنِ إلَى الْأَيْمَانِ حَتَّى ادَّعَوْا عَلَى الْيَهُودِ الْقَتْلَ وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْيَهُودِ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ وَأَمْرٌ قَوَّى دَعْوَاهُمْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ يَدَّعِي الْمَقْتُولُ عَلَى بَعْضِ مَنْ يُعَادِيهِ وَلَمْ يَكُنْ قَتَلَهُ قَبْلَ الْعَدَاوَةِ يَزِيدُ فِي الظِّنَّةِ وَاللَّطْخِ وَيُقَوِّي قَوْلَهُ مَعَ الْأَيْمَانِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ إلَى قَتْلِهِ إلَّا عَدُوٌّ وَأَنَّهُ لَا عَدُوَّ أَعْدَى إلَيْهِ مِنْ قَاتِلِهِ فَجَعَلَ أَيْضًا لِلْعَدَاوَةِ تَأْثِيرًا فِي حُكْمِ الْقَسَامَةِ وَحَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ وَيُوجِبُهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ بِأَمْرَيْنِ مِثْلَ أَنْ يُرَى مُتَلَطِّخًا بِدَمٍ جَاءَ مِنْ مَكَان كَانَ فِيهِ الْقَتِيلُ لَيْسَ فِيهِ مَعَهُ غَيْرُهُ فَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ وُجِدَ مَقْتُولًا وَبِالْقُرْبِ مِنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْيَهُودِ ولَيْسَ بِذَلِكَ الْمَكَانِ غَيْرُهُمْ وَبِهِ مِنْ أَثَرِ سُرْعَةِ الْقَتْلِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقَاتِلَ لَهُ لَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ.
وَقَدْ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْقَسَامَةِ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ أَنَّهُ وُجِدَ مَقْتُولًا بِخَيْبَرَ وَمَنْ وَجَدَ الْقَتِيلُ بِمَحَلَّةِ قَوْمٍ وَبِهِ أَثَرُ جُرْحٍ فَهُوَ لَوْثٌ.
وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ قَوَدٌ، أَوْ لَا دِيَةَ وَلَا قَسَامَةَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَشَأْ قَوْمٌ أَذِيَّةَ قَوْمٍ إلَّا أَلْقَوْا قَتِيلًا بِمَحَلَّتِهِمْ يُرِيدُ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَقْتُلَهُ غَيْرُهُمْ وَإِذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ بَلْ هُوَ الْأَظْهَرُ فَإِنْ كَانَ مَنْ يَقْتُلُهُ لَا يَتْرُكُهُ بِحَيْثُ يُتَّهَمُ هُوَ بِهِ مَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ شُبْهَةً تُوجِبُ عَلَيْهِمْ حُكْمًا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «وَأَنَّهُ طُرِحَ فِي فَقِيرِ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ» الْفَقِيرُ الْحَقِيرُ يُتَّخَذُ فِي السِّرْبِ الَّذِي يُصْنَعُ لِلْمَاءِ تَحْتَ الْأَرْضِ يُحْمَلُ فِيهِ الْمَاءُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى غَيْرِهِ فَيُعْمَلُ عَلَيْهِ أَفْوَاهٌ كَأَفْوَاهِ الْآبَارِ مُنَافِسٌ عَلَى السِّرْبِ بِتِلْكَ الْآبَارِ هِيَ الْفَقْرُ وَاحِدُهَا فَقِيرٌ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَاءُ مَحْمُولًا فِي السِّرْبِ مِنْ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «فَأَمَّا يَهُودُ فَقَالَ أَنْتُمْ وَاَللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ» يَقْتَضِي قَسَمَهُ بِذَلِكَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ يَتَيَقَّنُ ذَلِكَ بِخَبَرِ مُخْبِرٍ أَوْ مُخْبِرَيْنِ وَبِمَا اقْتَرَنَ بِذَلِكَ مِنْ شَوَاهِدِ الْحَالِ وَالثَّانِي أَنَّهُ أَضَافَ ذَلِكَ إلَى ظَنِّهِ وَمُعْتَقَدِهِ وَمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ فَأَرَادَ أَنْتُمْ وَاَللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ فِيمَا أَعْتَقِدُهُ، فَقَالَتْ يَهُودُ وَاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ مُقَابَلَةً لِإِتْيَانِهِ بِالنَّفْيِ وَيَمِينِهِ بِيَمِينٍ تَضَادُّهُمَا لَا عَلَى يَمِينٍ مُخْتَصَّةٍ تُوجِبُ عَلَيْهِمْ حُكْمًا وَلِأَنَّ يَمِينَهُمْ يَنْفِي عَنْهُمْ حُكْمًا؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ لَمْ تُقْبَضْ وَلَا اسْتَوْفَاهَا طَالِبٌ وَلَا مُطَالِبٌ وَلَا بُدَّ فِي الْأَيْمَانِ الَّتِي تُوجِبُ الْحُقُوقَ أَنْ يَنْفِيَهَا مِنْ أَنْ