اسْتِئْخَارُ قَطْعِهِ بِاَلَّذِي يَضَعُ عَنْهُ حَدًّا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ يَوْمَ سَرَقَ، وَإِنْ رَخُصَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا بِاَلَّذِي يُوجِبُ عَلَيْهِ قَطْعًا لَمْ يَكُنْ وَجَبَ عَلَيْهِ يَوْمَ أَخَذَهَا إنْ غَلَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ مَنْ ابْتَاعَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ الْعُرُوضِ ابْتِيَاعًا غَيْرَ جَائِزٍ يُرِيدُ فَاسِدًا فَيُرَدُّ لِأَجْلِ فَسَادِهِ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ يُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ وَهَذَا يَقْتَضِي رَدَّ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» .
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَبِيعَ كُلَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ لَهُ مِثْلٌ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ وَضَرْبٌ لَا مِثْلَ لَهُ كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَالْعُرُوضِ وَأَمَّا مَا لَهُ مِثْلٌ فَإِنْ هَذَا رَدَّهُ بِأَنْ يَرُدَّ الْمُبْتَاعُ إلَى الْبَائِعِ مَا أَخَذَ مِنْهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا فَإِنْ عُدِمَتْ تِلْكَ الْعَيْنُ فَمِثْلُهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِفَوَاتِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ مِثْلِهَا يَقُومُ مَقَامَ وُجُودِهَا وَلَا تَفُوتُ بِتَغَيُّرِ أَسْوَاقِهَا؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ عَيْنِهَا لَا يُفِيتُ رَدَّهَا فَبِأَنْ لَا يُفْتَهَا تَغَيُّرُ قِيمَتِهَا مَعَ سَلَامَةِ الْعَيْنِ مِنْ ذَلِكَ أَوْلَى وَأَحْرَى.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا مَا لَا مِثْلَ لَهُ كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَصَبْرِ الطَّعَامِ وَالْأَرَضِينَ وَالْأَشْجَارِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ، أَوْ مِمَّا لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ كَالدُّورِ وَالْأَشْجَارِ وَالْأَرَضِينَ فَأَمَّا مَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ فَإِذَا فَاتَ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ كَانَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ وَفَوَاتُهُ يَكُونُ بِالزِّيَادَةِ فِي عَيْنِهِ أَوْ النُّقْصَانِ مِنْهَا أَوْ بِتَغَيُّرِ سُوقِهِ عَلَى وَجْهِ تَصْحِيحِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يُرَدُّ مَا كَانَتْ عَيْنُهُ مَوْجُودَةً فَإِنْ فَاتَتْ رَدَّ قِيمَتَهَا عَلَى مَعْنَى تَصْحِيحِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا عَقْدُ بَيْعٍ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَرْجِعَ الْمُبْتَاعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الْمَبِيعِ وَلَا يَرُدُّ الْغَلَّةَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَمَاؤُهُ وَعَلَيْهِ نَقْصُهُ كَالْبَيْعِ الصَّحِيحِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ إلَّا قِيمَةَ سِلْعَتِهِ يَوْمَ قُبِضَتْ مِنْهُ، وَلَيْسَ يَوْمَ يَرُدُّ ذَلِكَ إلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمَّا قَبَضَهَا عَلَى الضَّمَانِ كَانَ لَهُ نَمَاؤُهَا وَعَلَيْهِ نَقْصُهَا، وَذَلِكَ يَشْتَمِلُ عَلَى تَغْيِيرِ الْبَدَنِ وَالْقِيمَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ التَّلَفِ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ ضَمِنَهَا يَوْمَ قَبَضَهَا وَذَلِكَ يُصَحِّحُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ عَيْنُهَا لَكَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُهَا قَالَ مَالِكٌ فَلِذَلِكَ كَانَ عَلَى الْمُبْتَاعِ نَمَاؤُهَا وَزِيَادَتُهَا؛ لِأَنَّ مَنْ ضَمِنَ الْجُمْلَةَ ضَمِنَ الْأَبْعَاضَ وَمَنْ ضَمِنَ الْجُمْلَةَ وَالْأَبْعَاضَ كَانَ لَهُ النَّمَاءُ بِالضَّمَانِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَقَدْ يَقْبِضُ السِّلْعَةَ فِي زَمَانِ نَفَاقِهَا وَقِيمَتُهَا عَشَرَةٌ، ثُمَّ يَرُدُّهَا فِي زَمَانِ كَسَادِهَا وَقِيمَتُهَا دِينَارٌ فَذَهَبَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ تِسْعَةُ دَنَانِيرَ، أَوْ يَقْبِضُهَا فِي زَمَانِ الْكَسَادِ وَقِيمَتُهَا دِينَارٌ وَيَرُدُّهَا فِي زَمَانِ نَفَاقٍ وَقِيمَتُهَا عَشَرَةٌ فَلَيْسَ عَلَى الْمُبْتَاعِ أَنْ يَذْهَبَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ يُرِيدُ أَنَّ تَغْيِيرَ الْقِيمَةِ كَتَغْيِيرِ الْبَدَنِ فَكَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا سَلِيمَةً قِيمَتُهَا عَشَرَةً، ثُمَّ يَرُدَّهَا مَعِيبَةً فَكَذَلِكَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهَا نَاقِصَةً فِي بَدَنِهَا وَقِيمَتُهَا دِينَارٌ وَيَرُدَّهَا بَعْدَ تَمَامِهَا وَنَمَائِهَا وَقِيمَتُهَا عَشَرَةٌ، وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فِي الْقِيمَةِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهَا مَا قَبَضَ يَوْمَ قَبْضِهِ يُرِيدُ أَنَّ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ بِعَقْدٍ تَرَاضَيَا بِهِ فَلَهُ مَا زَادَ وَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ وَأَمَّا يَوْمُ الرَّدِّ فَلَا يُعْتَبَرُ بِقِيمَتِهِ فِي ضَمَانِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِرَدِّهَا فِي الضَّمَانِ وَإِنَّمَا يُؤْثِرُ فِيهِ الْقَبْضَ وَهُوَ سَبَبُهُ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِهِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ السَّارِقَ يَسْرِقُ السِّلْعَةَ فَإِنَّمَا يَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهَا فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ يَوْمَ قَبَضَهَا بِالسَّرِقَةِ دُونَ يَوْمِ الْقَطْعِ يُرِيدُ أَنَّ الْقَبْضَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَبْضٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ دُونَ يَوْمِ الْحُكْمِ كَقِيمَةِ مَا سُرِقَ وَتَأْثِيرُهُ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مَا