لِوَارِثٍ فِي صِحَّتِهِ فَيَأْذَنُونَ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُمْ وَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَرُدُّوا ذَلِكَ إنْ شَاءُوا، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ صَحِيحًا كَانَ أَحَقَّ بِجَمِيعِ مَالِهِ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ إنْ شَاءَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ جَمِيعِهِ خَرَجَ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ، أَوْ يُعْطِيَهُ مَنْ شَاءَ وَإِنَّمَا يَكُونُ اسْتِئْذَانُهُ وَرَثَتَهُ جَائِزًا عَلَى الْوَرَثَةِ إذَا أَذِنُوا لَهُ حِينَ يَحْجُبُ عَنْهُ مَالَهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ شَيْءٌ إلَّا فِي ثُلُثِهِ وَحِينَ هُمْ أَحَقَّ بِثُلُثَيْ مَالِهِ مِنْهُ فَذَلِكَ حِينَ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ وَمَا أَذِنُوا لَهُ بِهِ فَإِنْ سَأَلَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ أَنْ يَهَبَ لَهُ مِيرَاثَهُ حِينَ تَحْضُرُهُ الْوَفَاةُ فَيَفْعَلُ، ثُمَّ لَا يَقْضِي فِيهِ الْهَالِكُ شَيْئًا فَإِنَّهُ رَدَّ عَلَى مَنْ وَهَبَهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ الْمَيِّتُ فُلَانٌ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ ضَعِيفٌ وَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ تَهَبَ لَهُ مِيرَاثَك فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا سَمَّاهُ الْمَيِّتُ لَهُ قَالَ، وَإِنْ وَهَبَ لَهُ مِيرَاثَهُ، ثُمَّ أَنْفَقَ الْهَالِكُ بَعْضَهُ وَبَقِيَ بَعْضٌ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى الَّذِي وَهَبَ يَرْجِعُ إلَيْهِ مَا بَقِيَ بَعْدَ وَفَاةِ الَّذِي أُعْطِيَهُ) .

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَبَيَانُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ إجَازَةَ الْوَرَثَةِ تَكُونُ فِي وَقْتَيْنِ: أَحَدِهِمَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَهِيَ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِهَا وَالْوَقْتُ الْآخَرُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَذَلِكَ فِي حَالَتَيْنِ إحْدَاهُمَا حَالَ الصِّحَّةِ وَالثَّانِيَةُ حَالَ الْمَرَضِ فَأَمَّا حَالُ الصِّحَّةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لِسَبَبٍ، أَوْ لِغَيْرِ سَبَبٍ فَإِنْ كَانَ لِسَبَبٍ كَالْغَزْوِ وَالسَّفَرِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَذِنَ لَهُ وَرَثَتُهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِغَزْوٍ، أَوْ سَفَرٍ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ فَفَعَلَ، ثُمَّ مَاتَ فِي سَفَرِهِ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُمْ كَالْمَرِيضِ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ أَصْبَغُ قَالَ لِي ابْنُ وَهْبٍ كُنْت أَقُولُ هَذَا، ثُمَّ رَجَعْت إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُمْ؛ لِأَنَّهُ صَحِيحٌ قَالَ أَصْبَغُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ سَبَبُ الْوَصِيَّةِ غَالِبًا كَالْمَرَضِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ حَالُ صِحَّةٍ فَلَمْ يَلْزَمْ الْوَرَثَةُ الْإِجَازَةَ فِيهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ لِغَيْرِ سَبَبٍ فَأَمَّا إنْ كَانَ لِغَيْرِ سَبَبِ وَصِيَّتِهِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْمُجِيزُ مِنْ الْوَرَثَةِ وَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا حَالٌ لَمْ تَتَعَلَّقْ فِيهِ حُقُوقُهُمْ بِالتَّرِكَةِ.

1 -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْإِجَازَةُ حَالَ الْمَرَضِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَتَخَلَّلَ بَيْنَ وَصِيَّتِهِ وَمَرَضِ وَفَاتِهِ صِحَّةٌ، أَوْ لَا تَتَخَلَّلُهُمَا صِحَّةٌ فَإِنْ تَخَلَّلَتْهُمَا صِحَّةٌ فَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ الْوَرَثَةُ يُجِيزُونَ لِلْمَرِيضِ الْوَصِيَّةَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، ثُمَّ يَصِحُّ، ثُمَّ يَمْرَضُ فَيَمُوتُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَخَلَّلَ الْإِذْنَ وَالْوَفَاةُ حَالَةٌ لَا يَصِحُّ فِيهَا الْإِذْنُ كَمَا لَوْ أَذِنُوا فِي الصِّحَّةِ.

(فَرْعٌ) وَهَذَا يُلْزِمُهُمْ الْيَمِينَ أَنَّهُمْ مَا سَكَتُوا رِضًا بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ يَلْزَمُهُمْ بِذَلِكَ وَجْهُهُ أَنَّ صُورَةَ السُّكُوتِ عَنْ التَّعْيِينِ صُورَةُ اسْتِدَامَةِ الرِّضَا فَتَلْزَمُهُمْ الْيَمِينُ أَنَّهُمْ لَمْ يَرْضَوْا بِهِ فِي الْمَرَضِ الثَّانِي.

1 -

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ الْإِذْنِ وَالْوَفَاةِ وَقْتُ صِحَّةٍ لَزِمَ ذَلِكَ الْوَرَثَةَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَذَلِكَ فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا تَلْزَمُهُمْ الْإِجَازَةُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَدْ رَوَى نَحْوَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي مَرِيضٍ بَاعَ عَبْدًا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ فَإِنَّهُ لَا إجَازَةَ لِلْوَرَثَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ إذْ لَا يُعْلَمُ لَعَلَّ غَيْرَهُمْ يَرِثُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ حَالٌ تُعْتَبَرُ فِيهَا عَطِيَّتُهُ بِالثُّلُثِ فَلَزِمَتْ الْوَرَثَةَ الْإِجَازَةُ كَبَعْدَ الْمَوْتِ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ لِذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ الْوَرَثَةَ لَكَانَ سَبَبًا لِمَنْعِ الْمُوصِي مِنْ الْوَصِيَّةِ بِالْإِجَازَةِ لِوَصِيَّتِهِ لِلْوَارِثِ فَإِذَا مَاتَ وَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَى تِلْكَ الْوَصِيَّةِ رَجَعُوا إلَى الْإِجَازَةِ فَمَنَعُوا بِذَلِكَ الْوَصِيَّةَ الَّتِي أَبَاحَهَا الشَّرْعُ لَهُ وَالِاعْتِمَادُ فِي ذَلِكَ عَلَى إثْبَاتِ أَنَّهُ وَقْتُ إجَازَةٍ وَبِذَلِكَ يُفَارِقُ حَالَ الْمَرَضِ حَالَةَ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ حَالَ الصِّحَّةِ لَيْسَ بِحَالِ إجَازَةٍ لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بَعْدُ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ وَلَا حَجَرُوا عَلَيْهِ فِي ثُلُثِهِ وَأَمَّا حَالُ الْمَرِيضِ بِحَالِ تَعَلُّقِ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ وَغَرُّوا عَلَيْهِ فِي ثُلُثِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ أَفْعَالُهُ فِي ثُلُثِهِ كَبَعْدِ الْوَفَاةِ.

(فَرْعٌ) وَفِي الْمَجْمُوعَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إنَّمَا يَلْزَمُ إذْنُ الْوَارِثِ لِلْمَرِيضِ إذَا كَانَ بَائِنًا عَنْهُ فَأَمَّا بَنَاتُهُ الْأَبْكَارُ وَزَوْجَاتُهُ وَمَنْ فِي عِيَالِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ مَوْتِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَيْسَ لِلسَّفِيهِ إذْنٌ وَلَا لِلْبِكْرِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ إلَّا الْمُعَنِّسَةَ فَيَلْزَمُهَا وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَقَدْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015