. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ بِالشَّرْعِ لِمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ إفْسَادِ الْأَمْوَالِ وَتَضْيِيعِهَا فَلَمَّا وَجَبَ لِذَلِكَ حِفْظُ الزُّرُوعِ الَّتِي هِيَ مُعْظَمُ الْأَقْوَاتِ وَسَبَبُ الْمَعَاشِ كَانَ حِفْظُهَا بِالنَّهَارِ يَلْزَمُ أَرْبَابَ الزُّرُوعِ وَلَا يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ بِاللَّيْلِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ رَاحَتِهِمْ وَنَوْمِهِمْ وَسُكُونِهِمْ وَلَيْسَ بِوَقْتِ رَعْيٍ لِلْمَاشِيَةِ فِي غَالِبِ الْحَالِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ أَهْلَ الزَّرْعِ إنْ أَرَادُوا حِفْظَ زُرُوعِهِمْ وَدَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهَا فَإِنَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِالنَّهَارِ لِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ رَعْيِ الْمَوَاشِي بِالنَّهَارِ وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ لَهُ مَنْ يَرْعَى نَاقَتَهُ وَدَابَّتَهُ فَإِنْ مَنَعَهَا الرَّعْيَ أَضَرَّ بِهَا، وَإِنْ أَرَادَ الْحِفْظَ لَهَا لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ مَنْ يَحْفَظُ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفَائِدَةُ الْكَلَامِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى أَصْحَابِ الْمَاشِيَةِ فِيمَا أَصَابَتْ بِالنَّهَارِ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ اللَّيْثُ يَضْمَنُ أَرْبَابُ الْمَوَاشِي مَا أَفْسَدَتْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.

وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ مَنْ احْتَجَّ لَمَّا ذَكَّرْته بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78] قَالُوا وَالنَّفْشُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللَّيْلِ، وَقَدْ ذُكِرَ مِثْلُ هَذَا عَنْ شُرَيْحٍ، وَهَذَا لَيْسَ بِبَيِّنٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْآيَةِ التَّصْرِيحُ بِالْحُكْمِ أَنَّهُ ضَمِنَ أَهْلَ الْمَاشِيَةِ الَّتِي نَفَشَتْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَفْيُ الْحُكْمِ ذَلِكَ فِي الرَّاعِيَةِ بِالنَّهَارِ إلَّا مِنْ جِهَةِ دَلِيلِ الْخِطَابِ وَلَيْسَ عِنْدِي بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ فَكَيْفَ وَالْآيَةُ لَمْ تَتَضَمَّنْ تَفْسِيرَ الْحُكْمِ وَلَا بَيَانَهُ، وَإِنَّمَا فِي ذَلِكَ قَوْلُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَسَوَاءٌ كَانَ مُحْظِرًا، أَوْ غَيْرَ مُحْظَرٍ عَلَيْهِ رَوَاهُ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ وَزَادَ فِي الْمُزَنِيَّةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجَمِيعُ الْأَشْيَاءِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.

1 -

(فَصْلٌ) :

قَوْلُهُ وَمَا أَفْسَدَتْ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا بِمَعْنَى مَضْمُونٍ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَرَى أَنْ يَقْضِيَ فِيمَا أَفْسَدَتْ الْمَوَاشِي بِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَالزُّرُوعِ مِثْلَ الْحَوَائِطِ فِيمَا أَفْسَدَتْ الْبَهَائِمُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَا ضَمَانَ عَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي فِيمَا أَفْسَدَتْ فِي لَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ مَا أَفْسَدَتْ بِاللَّيْلِ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ إهْمَالَهَا بِاللَّيْلِ مِنْ بَابِ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتِ رَعْيٍ مُعْتَادٍ فَوَجَبَ أَنْ يَضْمَنَ مَا أَفْسَدَتْ فِيهِ كَالْقَائِدِ وَالسَّائِقِ فِيمَا أَفْسَدَتْ الدَّابَّةُ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي ضَمَانُ مَا أَفْسَدَتْهُ بِاللَّيْلِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عَلَيْهِمْ قِيمَةَ مَا أَفْسَدَتْ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ أَنْ يُتِمَّ، أَوْ لَا يُتِمَّ زَادَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَزَادَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قِيمَتَهُ لَوْ حَلَّ بَيْعُهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ وَلَا يَسْتَأْنِي بِالزَّرْعِ أَنْ يُنْبِتَ، أَوْ لَا يُنْبِتُ كَمَا يَصْنَعُ بِسِنِّ الصَّغِيرِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ حَقِيقَةُ مَا أَفْسَدَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَائِمًا عَلَى أَصْلِهِ بَيْنَ رَجَاءٍ وَخَوْفٍ أَنْ يَعُوقَهُ عَائِقٌ مِنْ كَثْرَةِ مَاءٍ، أَوْ قِلَّتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَعَلَى ذَلِكَ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ وَلَمَّا كَانَ قِيمَةُ هَذَا الزَّرْعِ يُعْتَبَرُ فِيهِ حَالُهُ وَلَا يُحْكَمُ لِصَغِيرِهِ بِحُكْمِ كَبِيرِهِ لَزِمَ غُرْمُ قِيمَتِهِ عَلَى صِفَتِهِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ بِأَنْ يَخْلُفَ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ لَا يَخْلُفَ بِخِلَافِ السِّنِّ الَّذِي إنَّمَا يُرَاعِي الْجَمَالَ وَالْمَنْفَعَةَ بِهَا فَإِذَا نَبَتَتْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهَا أَخَفَّ وَلَمْ يَلْزَمْ ضَمَانُهَا جُمْلَةً وَإِذَا يَئِسَ مِنْ نَبَاتِهَا لَزِمَتْ فِيهَا دِيَتُهَا دُونَ قِيمَتِهَا وَالدِّيَاتُ مُخْتَصَّةٌ بِمَا يَتْلَفُ وَلَا يَعُودُ فَلِذَلِكَ اُسْتُؤْنِيَ لِيَعْلَمَ مِنْ نَبَاتِهَا، أَوْ عَدَمِهِ مَا يَجِبُ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ دِيَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي قِيمَةَ مَا أَفْسَدَتْ فَيَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ إنَّمَا عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا، أَوْ قِيمَةِ مَا أَفْسَدَتْ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ، وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْمَوَاشِي، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ أَرْبَابِهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ تَسْلِيمُهَا وَلَا يَقْصُرُ الْأَرْشُ عَلَى قِيمَتِهَا كَمَا لَوْ أَصَابَتْهُ مَعَ الْقَائِدِ، أَوْ السَّائِقِ.

1 -

(فَرْعٌ) وَلَوْ نَبَتَ الزَّرْعُ قَبْلَ الْحُكْمِ فِيهِ بِالْقِيمَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ الَّذِي أَفْسَدَتْهُ مِمَّا كَانَتْ فِيهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015