. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ فِي الْأَنْهَارِ وَالْخُلْجِ الَّتِي لَا تُمْلَكُ فَلَيْسَ لِمَنْ دَنَا إلَيْهِ بِسُكْنَاهُ وَحَقِّهِ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ طَارِئًا.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ» قِيلَ إنَّهُ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ الذَّرَائِعِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ مَنَعَ فَضْلَ الْمَاءِ لِيَتَسَبَّبَ بِهِ إلَى مَنْعِ الْكَلَأِ الْمُبَاحِ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَعْيِهِ مِنْ مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ وَالْمَانِعُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ يَقْصِد غَالِبًا الِانْفِرَادَ بِالْكَلَأِ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَوَجَبَ عَلَى هَذَا عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي الذَّرَائِعِ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ مَنْ قَصَدَ الْكَلَأَ وَمَنْ لَمْ يَقْصِدْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْكَلَأُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ فِي فَيَافِي الْأَرْضِ وَضَرْبٌ فِي الْعِمَارَةِ قَالَ مُطَرِّفٌ: فَمَا كَانَ فِي فَيَافِي الْأَرْضِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ غَيْرَهُ، وَلِذَلِكَ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ لَيُمْنَعَ بِذَلِكَ الْكَلَأُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْفَيَافِي وَالْقِفَارِ فَتَقَرَّرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحْمِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْكَلَأِ، وَلَوْ جَازَتْ مُبَاشَرَتُهُ بِالْمَنْعِ لَمَا احْتَاجَ الْمَانِعُ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ فَضْلَ الْمَاءِ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى مَنْعِ الْكَلَأِ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا تَوَجَّهَ إلَى مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ وَأَنْ يُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى مَنْعِ الْكَلَأِ وَلَمْ يَتَوَجَّهْ بِهِ إلَى الْمَنْعِ مِنْ فَضْلِ الْمَاءِ وَإِنَّمَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ الْمَنْعَ مِنْ الْكَلَأِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ حَمَى الْبَقِيعَ لِخَيْلِهِ» وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَمَى الرَّبَذَةَ وَأَنَّ عُمَرَ حَمَى سَرِفًا وَالرَّبَذَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ أَنْ يَحْمِيَ مَوْضِعًا لَا يَقَعُ بِهِ التَّضْيِيقُ عَلَى النَّاسِ لِلْحَاجَةِ الْعَامَّةِ إلَى ذَلِكَ لِمَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَالْخَيْلُ الَّتِي يَحْمِلُ عَلَيْهَا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْت عَلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِهِمْ شِبْرًا أَنَّهَا لَبِلَادُهُمْ قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ النَّاسُ مِنْهَا إلَّا لِمَا كَانَ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَإِبِلِ الصَّدَقَةِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ فَيَافِي الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مِنْ حُقُوقِ قَوْمٍ مِنْ الْعَرَبِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُمْنَعُوا مِنْهَا إلَّا بِهَذَا الْوَجْهِ، وَأَمَّا مَنْعُهُمْ إيَّاهَا مِنْ غَيْرِهِمْ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَمَنْ عُرِفَ مِنْهُمْ بِمَرْعًى لِطُولِ مُقَامِهِ بِهِ، أَوْ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ وَإِسْلَامِهِ عَلَيْهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: مَا أَسْلَمَ عَلَيْهِ الْقَوْمُ مِنْ أَرْضِ الْأَعْرَابِ وَفَيَافِيهمْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَضْلٌ عَنْ رَعْيِ مَاشِيَتِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِمْ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَالنَّاسِ الدُّخُولُ عَلَيْهِمْ فِيهَا، وَلَهُمْ مَنْعُهُمْ مِنْهَا، وَلَيْسَ لَهُمْ بَيْعُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ بِئْرِ مَاشِيَتِهِمْ هُمْ مُبْدِئُونَ بِمَائِهَا وَبِرَعْيِ كَلَئِهَا وَلَهُمْ مَنْعُ فَضْلِهَا، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي بِئْرِ الْمَاشِيَةِ يَمُوتُ صَاحِبُهَا أَنَّهَا لِوَرَثَتِهِ لَا حَقَّ فِيهَا لِزَوْجٍ وَلَا زَوْجَةٍ إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَلِكَ الْبَطْنِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَمْعَانَ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي إحْيَاءِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يَنْزِلُ بِهِمْ قَوْمٌ يُرِيدُونَ الْمُقَامَ مَعَهُمْ لَهُمْ مِيلٌ فِي مِيلٍ لِمَرْعَى غَنَمِهِمْ وَلِقَاحِهِمْ وَمَرَابِطِ خَيْلِهِمْ وَمَخْرَجِ نِسَائِهِمْ، وَكَانَ سَحْنُونٌ يُعْجِبُهُ حَدِيثُ ابْنِ سَمْعَانَ هَذَا وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ مِائَتَا ذِرَاعٍ بِحَيْثُ لَا تَبِينُ الْمَرْأَةُ وَلَا يُسْمَعُ الصَّوْتُ، وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ ذَلِكَ مِلْكًا غَيْرَ تَامٍّ أَوْ يَمْلِكُونَ الِانْتِفَاعَ بِهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً لِحَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ فَإِنَّهَا حَقُّهُمْ فَلَهُمْ مَنْعُهَا وَمِلْكُهُمْ كَالْعُمْرِيِّ وَهُوَ بِخِلَافِ حَقِّ مَنْ شَرَى، أَوْ أَحْيَا، أَوْ وَرِثَ، أَوْ وَهَبَ لَهُ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ لَيْسَ مِلْكُهُمْ لَهَا بِالتَّامِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الضَّرَرِ اللَّاحِقِ بِالْمُجَاوَرَةِ قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فَهَذِهِ الْأَحْمِيَةُ إنَّمَا كَانَتْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَرَاضِي بِالْبَقِيعِ قَدْرَ مِيلٍ فِي سِتَّةِ أَمْيَالٍ مَا بَيْنَ مِيلٍ إلَى مِيلَيْنِ وَاسْتَعْمَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى حِمَايَةِ الرَّبَذَةِ قَرَظَةَ بْنَ مَالِكٍ وَكَانَ مَا حَمَى مِنْهَا قَرِيبًا مِنْ خَمْسَةِ أَمْيَالٍ فِي مِثْلِهَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ سَلَامَةَ وَحَمَى بِسَرِفٍ نَحْوًا مِمَّا حَمَى بِالرَّبَذَةِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ هنبا.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْقُرَى وَمَوَاضِعِ الْعِمَارَةِ فَلَا