الْقَضَاءُ فِي مِيرَاثِ الْوَلَدِ الْمُسْتَلْحَقِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَهْلَكُ وَلَهُ بَنُونَ فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ قَدْ أَقَرَّ أَبِي أَنَّ فُلَانًا ابْنُهُ أَنَّ ذَلِكَ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ إنْسَانٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الَّذِي أَقَرَّ إلَّا عَلَى نَفْسِهِ فِي حِصَّتِهِ مِنْ مَالِ أَبِيهِ يُعْطِي الَّذِي شَهِدَ لَهُ قَدْرَ مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي بِيَدِهِ، قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَهْلَكَ الرَّجُلُ وَيَتْرُكَ ابْنَيْنِ لَهُ وَيَتْرُكَ سِتَّمِائَةِ دِينَارٍ فَيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ ثُمَّ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَاهُ الْهَالِكَ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا ابْنُهُ فَيَكُونَ عَلَى الَّذِي شَهِدَ لِلَّذِي اُسْتُلْحِقَ مِائَةُ دِينَارٍ وَذَلِكَ نِصْفُ مِيرَاثِ الْمُسْتَلْحَقِ لَوْ لَحِقَ، وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ الْآخَرُ أَخَذَ الْمِائَةَ الْأُخْرَى فَاسْتَكْمَلَ حَقَّهُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَوْمَ الْحُكْمِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ قِيمَتُهُمْ يَوْمَ وُلِدُوا.
وَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهُ إنَّمَا اعْتَبَرَ فِي قِيمَتِهِمْ صِفَتَهُمْ يَوْمَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا فِي ضَمَانِ الْأَبِ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْحُكْمُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ حَاكِمٍ فَلَمَّا احْتَاجَ إلَى حَاكِمٍ اُعْتُبِرَتْ صِفَةُ الْمَحْكُومِ فِيهِ يَوْمَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ الِاسْتِحْقَاقِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَدْ أَخْطَأَ مَنْ قَالَ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ.
(فَرْعٌ) وَإِنْ كَانَ لِلْوَلَدِ مَالٌ حِينَ التَّقْوِيمِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يُقَوَّمُ بِغَيْرِ مَالِهِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَوْلَادُ أَحْيَاءً فَإِنْ كَانُوا قَدْ مَاتُوا فَلَا شَيْءَ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ قِيمَتِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونُوا قُتِلُوا فَأَخَذَ الْأَبُ الدِّيَةَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْمُسْتَحِقِّ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِمْ، أَوْ مَا أَخَذَهُ السَّيِّدُ مِنْ دِيَتِهِمْ وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ الْأُمِّ فَأَلْقَتْ جَنِينًا فَأَخَذَ الْأَبُ فِيهِ غُرَّةً.
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا الْعِوَضَ إنَّمَا أَخَذَهُ الْأَبُ بَدَلًا مِنْ وَلَدِ الْجَارِيَةِ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ السَّيِّدُ قِيمَتَهُمْ فَكَانَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَنْتَزِعَ مِنْ الْأَبِ مَا أَخَذَ مِنْ قِيمَتِهِمْ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِمْ فَلَا يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الْقِيمَةَ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا تَكُونُ لِلْأَبِ بِالْحُكْمِ وَالْحُكْمُ لَمْ يُدْرِكْ الْوَلَدُ فَلَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ حَقٌّ فِيهِمْ قَالَ مُحَمَّدٌ وَقَوْلُ أَشْهَبَ صَوَابٌ وَذَهَبَ إلَى هَذَا وَلِابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْحُكْمَ قَدْ أَدْرَكَ الدِّيَةَ وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهَا كَمَا كَانَ يَحْكُمُ فِي الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ أَنْ يَفْدِيَ وَلَدَهُ بِمِثْلِهِمْ قَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ الْعُرُوضِ الَّتِي لَا تُكَالُ وَلَا تُوزَنُ فَقَالَ مَرَّةً فِي ذَلِكَ الْمِثْلُ وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ فِيمَنْ بَاعَ بَعِيرًا وَاسْتَثْنَى جِلْدَهُ حَيْثُ يَجُوزُ ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُشْتَرِي الْبَعِيرَ، فَإِنَّ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ شَيْءٌ فِي جِلْدِهِ يُرِيدُ مِثْلَهُ ثُمَّ قَالَ: أَوْ قِيمَتَهُ وَالْقِيمَةُ أَعْدَلُ وَالْقَوْلُ الَّذِي عَلَيْهِ يُعْتَمَدُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْقِيمَةَ، وَإِنَّمَا الْمِثْلُ فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْوَلَدُ مِنْ الْحَيَوَانِ كَانَتْ الْقِيمَةُ عِنْدَهُ فِيهِ أَعْدَلَ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْمُمَاثَلَةِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْمَهْرِ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْمَهْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَغُرَّهُ مِنْ الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا غَرَّهُ بِالنِّكَاحِ الَّذِي أَخَذَ عِوَضَهُ الْمَهْرَ.
(فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَ الْغَارُّ يَعْلَمُ أَنَّهَا أَمَةٌ فَزَوَّجَهُ مِنْهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ وَادَّعَى أَنَّهُ وَلِيُّهَا، وَلَوْ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَلِيٍّ لَهَا ثُمَّ زَوَّجَهُ مِنْهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِذَا غَرَّتْ الْأَمَةُ مِنْ نَفْسِهَا فَتَزَوَّجَتْ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَدَخَلَ بِهَا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا الْمَهْرُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَرَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهَا مَا فَضَلَ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمَهْرَ لَمْ يَدْخُلْهُ فَسَادٌ فَلِذَلِكَ ثَبَتَ فِيهِ الْمُسَمَّى، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ النَّقْصَ بِالرِّقِّ قَدْ وُجِدَ فِي الْعِوَضِ فَكَانَ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ بِمَا فَضَلَ عَنْهُ عَلَى عِوَضِهِ مَعِيبًا بِعَيْبِ الرِّقِّ.