يَقُولُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ قَالَ مَالِكٌ فَمِنْ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالًا أَلَيْسَ يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ مَا ذَلِكَ الْحَقُّ عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَ ذَلِكَ عَنْهُ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ وَثَبَتَ حَقُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ وَلَا بِبَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَخَذَ هَذَا أَوْ فِي أَيِّ كِتَابِ اللَّهِ وَجَدَهُ فَإِنْ أَقَرَّ بِهَذَا فَلْيُقْرِرْ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّهُ لَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ مَا مَضَى مِنْ السُّنَّةِ وَلَكِنَّ الْمَرْءَ قَدْ يُحِبُّ أَنْ يَعْرِفَ وَجْهَ الصَّوَابِ وَمَوْقِعَ الْحُجَّةِ فَفِي هَذَا بَيَانُ مَا أَشْكَلَ مِنْ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ إنْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ عَلَى مَنْ يُجِيزُ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] قَالَ وَهَذَا يَقْتَضِي إنْ عُدِمَ الرَّجُلَانِ لَا يُجْزِئُ إلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَالزِّيَادَةُ فِي النَّصِّ عِنْدَهُمْ نَسْخٌ وَلَا يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالْقِيَاسِ وَلَا بِأَخْبَارِ الْآحَادِ وَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالًا فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ يَحْلِفُ مَا ذَلِكَ الْحَقُّ عَلَيْهِ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ وَلَيْسَ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَيَلْزَمُ أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمٌ بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ وَلَا قِيَاسٍ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِمَا يَجُوزُ فِيهِ النَّسْخُ لِلْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ زِيَادَةٌ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا زِيَادَةً فِي نَصِّ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي النَّصَّ فَكَذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي النَّصَّ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ فَرَجُلٌ وَيَمِينُ الطَّالِبِ لَصَحَّ ذَلِكَ.
وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي النَّصِّ لَيْسَتْ بِنَسْخٍ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ إزَالَةُ الْحُكْمِ الثَّابِت بِشَرْعٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْهُ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا وَالزِّيَادَةُ فِي النَّصِّ لَا تُزِيلُ حُكْمَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ بَلْ تُبَيِّنُهُ وَتُضِيفُ إلَيْهِ شَيْئًا آخَرَ، وَلِذَلِكَ إذَا فُرِضَتْ الصَّلَاةُ ثُمَّ فُرِضَ الصِّيَامُ لَمْ يَكُنْ فَرْضُ الصِّيَامِ نَسْخًا لِفَرْضِ الصَّلَاةِ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إنَّ الزِّيَادَةَ فِي النَّصِّ إذَا غَيَّرَتْ حُكْمَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ فَهُوَ نَسْخٌ، وَإِذَا لَمْ تُغَيِّرْهُ فَلَيْسَ بِنَسْخٍ وَمَعْنَى تَغْيِيرِهِ لَهُ أَنْ يُؤْمَرَ بِالصَّلَاةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُؤْمَرَ بِهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَهَذَا نَسْخٌ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لَيْسَتَا بِشَرْعِيَّةٍ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْأَرْبَعِ، وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَأَتَمَّهَا عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَسَلَّمَ مِنْهَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِمَا رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ يُتِمُّ بِهِمَا ظُهْرَهُ أَوْ عَصْرَهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فَهَذَا نَسْخٌ، وَأَمَّا الَّذِي لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الْمَزِيدِ فَمِثْلُ أَنْ يَأْمُرَ بِالْحَدِّ أَرْبَعِينَ ثُمَّ يُؤْمَرَ بِهِ ثَمَانِينَ فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا تُغَيِّرُ حُكْمَ الْمَزِيدِ، وَلَوْ ابْتَدَأَ ضَرْبَهُ عَلَى أَرْبَعِينَ وَأَتَمَّهَا عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يَأْتِي بِهَا قَبْلَ الْأَمْرِ بِالثَّمَانِينَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ عَلَيْهِ الثَّمَانِينَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَفِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي يَزْعُمُهَا بِالْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لَمْ تُغَيِّرْ حُكْمَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ بَلْ يُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ وَشَهَادَةُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يُقْبَلُ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلَفَ صَاحِبُ الْحَقِّ لَيْسَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَكْثَرَ الْكُوفِيِّينَ لَا يَرَوْنَ رَدَّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يَثْبُتُ عِنْدَهُمْ فِي جَنْبَةِ مُدَّعِي الْمَالِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ أَنَّهُ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ وَلَا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ إيجَابُ الْيَمِينِ عَلَى الْمُنْكِرِ دُونَ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي بِنُكُولِ الْمُنْكِرِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ خِلَافِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَإِنَّهُ لَيَكْفِي فِي هَذَا مَا مَضَى مِنْ السُّنَّةِ لَعَلَّهُ يُرِيدُ الْحَدِيثَ الَّذِي أَوْرَدَهُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَسَائِرَ النَّاسِ كَانُوا فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ يَقُولُونَ بِالْمَرَاسِيلِ، وَقَوْلُهُ وَلَكِنَّ الْمَرْءَ يُحِبُّ أَنْ يَعْرِفَ وَجْهَ الصَّوَابِ وَمَوْقِعَ الْحُجَّةِ يُرِيدُ أَنْ يَعْرِفَ وَجْهَ الصَّوَابِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَالْقِيَاسِ وَقَطْعِ اعْتِرَاضِ