(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لَا يَكُونُ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَقَوْلُهُ الْحَقُّ {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]

ـــــــــــــــــــــــــــــQتَزْوِيجَهَا فَأَمَرَ امْرَأَتَيْنِ عَادِلَتَيْنِ أَنْ تَنْظُرَا هَلْ أَنْبَتَتْ فَأَخْبَرَتَاهُ أَنْ قَدْ أَنْبَتَتْ فَأَذِنَ لَهُمْ فِي إنْكَاحِهَا، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ فَإِنَّهُ يَبْعُدُ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ الشُّهُودُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَصَابَتْهَا عِلَّةٌ فِي مَوْضِعٍ يَحْتَاجُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ الطَّبِيبُ بَعُدَ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيَنْظُرُ إلَيْهِ الْأَطِبَّاءُ قَالَ سَحْنُونٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُغَلَّظٍ كَنَفْسِ الْعَوْرَةِ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ النَّظَرُ بِكُلِّ حَالٍ فِي حَقِّ الرَّجُلِ إلَى نَفْسِ الْعَوْرَةِ.

1 -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ عَلَى الرَّضَاعِ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ:

إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَفْشُوَ عِنْدَ الْجِيرَانِ وَيَظْهَرَ وَيَنْتَشِرَ، وَالْأُخْرَى أَنَّ شَهَادَتَهُمَا مَقْبُولَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَفْشُ قَالَ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الرَّضَاعَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْفَرِدُ بِهِ النِّسَاءُ فَتَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ وَلَا يَكَادُ يَخْفَى أَمْرُهُ غَالِبًا بَلْ يَفْشُو فَإِذَا عَرَا مِنْ الظُّهُورِ وَالِانْتِشَارِ ضَعُفَتْ الشَّهَادَةُ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الشَّهَادَاتِ قَالَ وَهَذَا أَصَحُّ.

وَقَدْ ذَكَرَ شُيُوخُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ فِي ذَلِكَ مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ أَيْضًا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ فِي الرَّضَاعِ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي الْقَوِيِّ الَّذِي يَأْتِي مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَلَا وَجْهَيْنِ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مِثْلُهُ وَزَادَ وَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ مِنْهُ إلَّا بِالْأَمْرِ الْقَوِيِّ الْمُنْتَشِرِ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ التَّزْوِيجِ، وَإِنْ ضَعُفَ فَحَقِيقٌ عَلَى الْمَرْءِ فِيهِ التَّوَقِّي وَالْحَيْطَةُ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ إنَّمَا هُوَ فَسْخُ النِّكَاحِ الْمُنْعَقِدِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ فِي الرَّضَاعِ فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ فِيهَا مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَأَمَّا شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ بِالرَّضَاعِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُعْمَلُ بِهَا إلَّا أَنْ يَفْشُوَ فِي الصِّغَرِ عِنْدَ الْمَعَارِفِ.

وَقَالَ أَيْضًا لَا يُقْضَى بِقَوْلِهَا وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَدِّقَهُ الزَّوْجُ قَالَ مُحَمَّدٌ يُرِيدُ إنْ كَانَتْ عَادِلَةً فَإِنَّمَا يَقَعُ الْخِلَافُ مِنْهُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ، وَأَمَّا التَّوَقِّي مِنْهُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ مُحَمَّدٌ إلَّا أَنْ يَطُولَ مُقَامُهُ مَعَهَا بِعِلْمِ الْمَرْأَتَيْنِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا يُرِيدُ وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا الْخَبَرُ فَاشِيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

1 -

(مَسْأَلَةٌ) فَإِذَا قُلْنَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ بِانْفِرَادِهِنَّ فِيمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ دُونَ يَمِينِ الطَّالِبِ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.

وَقَالَ عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ يَجُوزُ الْجِنْسُ مِنْهُ بِانْفِرَادِهِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ مِنْهُ الِاثْنَانِ كَالرِّجَالِ وَلَا تُجْزِئُ الْوَاحِدَةُ خِلَافًا لِلَّيْثِ وَأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدَةِ فِي الْعَوْرَةِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الرُّكْبَةِ إلَى السُّرَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي حَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ شَهَادَةُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَلِذَلِكَ جُعِلَ الرَّجُلُ فِي مُقَابَلَةِ امْرَأَتَيْنِ ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ دُونَ أَنْ يُقَارِنَهُ شَيْءٌ فَبِأَنْ لَا يُحْكَمَ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْلَى وَأَحْرَى.

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا قَوْلُهُ لِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ عَلَى الْوِلَادَةِ وَالِاسْتِهْلَالِ تُثْبِتُ الْمِيرَاثَ وَتَمْلِكُ بِذَلِكَ الْأَمْوَالَ الْعِظَامَ مِنْ الْعَيْنِ وَالرِّبَاعِ وَغَيْرِهَا وَلَا يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِمَا فِي دِرْهَمٍ فَلِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا تَجُوزُ فِي الْمَوَاضِعِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ فَيُحْكَمُ بِذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَيَئُولُ ذَلِكَ إلَى الْحُكْمِ بِأَمْوَالٍ عَظِيمَةٍ جَسِيمَةٍ عَلَى وَجْهِ الْمَآلِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُبَاشَرَةِ فَلَوْ بَاشَرَتْ شَهَادَتُهُنَّ دِرْهَمًا وَاحِدًا لَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِمَا فِي دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ مِنْهُنَّ حَيْثُ يَجُوزُ الرِّجَالُ إنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ فَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ فِي الْعِتْقِ وَتَجُوزُ فِيمَا يُفْضِي إلَى الْعِتْقِ وَيَئُولُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015