(ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً وَلَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ وَلَا فِي نِكَاحٍ وَلَا فِي طَلَاقٍ وَلَا فِي عَتَاقَةٍ وَلَا فِي سَرِقَةٍ وَلَا فِي فِرْيَةٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّ الْعَتَاقَةَ مِنْ الْأَمْوَالِ فَقَدْ أَخْطَأَ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ لَحَلَفَ الْعَبْدُ مَعَ شَاهِدِهِ إذَا جَاءَ بِشَاهِدٍ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ وَأَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَاءَ بِشَاهِدٍ عَلَى مَالٍ مِنْ الْأَمْوَالِ ادَّعَاهُ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَاسْتَحَقَّ حَقَّهُ كَمَا يَحْلِفُ الْحُرُّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَ عَنْهُ الْحَقُّ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَقُّ لِصَاحِبِهِ يُرِيدُ أَنَّ الْيَمِينَ إذَا انْتَقَلَتْ إلَى جَنْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ نَكَلَ الْمُدَّعِي عَنْ الْيَمِينِ مَعَ شَاهِدِهِ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ حَلَفَ سَقَطَتْ عَنْهُ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ إنَّمَا هِيَ لِذَلِكَ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ جَنْبَتَهُ تَضْعُفُ حِينَئِذٍ بِنُكُولِهِ فَلَا يَنْتَقِلُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ إلَى إثْبَاتِ الْحَقِّ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُحْكَمُ بِنُكُولِهِ مَعَ شَاهِدِ الدَّعْوَى، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ النُّكُولَ بِسَبَبٍ مُؤَثِّرٍ فِي الْحُكْمِ فَوَجَبَ أَنْ يُقْضَى بِهِ مَعَ الشَّاهِدِ كَيَمِينِ الْمُدَّعِي، وَمَعْنَى تَأْثِيرِهِ أَنَّ الْيَمِينَ تَنْتَقِلُ بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى جَنْبَةِ الْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ الْيَمِينُ مِنْ خَصْمِهِ فَنَكَلَ عَنْهَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ كَاَللَّذَيْنِ لَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ نَكَلَ مَنْ شَهِدَ لَهُ الشَّاهِدُ بِحَقٍّ فَرُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَحَلَفَ ثُمَّ وَجَدَ الطَّالِبُ شَاهِدًا آخَرَ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ لَا يُضَمُّ لَهُ إلَى الْأَوَّلِ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُضَمُّ لَهُ إلَى الْأَوَّلِ وَيُقْضَى لَهُ بِهِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ هَذَا وَهْمٌ، وَقَدْ كَانَ يَقُولُ لَا يُضَمُّ إلَى الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْمَرْأَةِ تُقِيمُ شَاهِدًا عَلَى طَلَاقٍ فَيَحْلِفُ الزَّوْجُ ثُمَّ تَجِدُ شَاهِدًا آخَرَ أَنَّهُ لَا يُضَمُّ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا نُكُولٌ.
وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَقَالَ أَصْبَغُ بِقَوْلِ مَالِكٍ يُضَافُ لَهُ الشَّاهِدُ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ فِي الْحُقُوقِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُقِمْ شَاهِدًا فَيَحْلِفَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ يُصِيبَ الطَّالِبُ بَيِّنَتَهُ أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا أَصْبَغُ وَالْخِلَافُ فِيهَا كَالْخِلَافِ فِي هَذِهِ.
(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَا يُضَمُّ الشَّاهِدُ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يُؤْتَنَفُ لَهُ الْحُكْمُ فَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَا يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ حَقَّهُ بِالنُّكُولِ وَنَحْوِهِ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِذَا قُلْنَا يَحْلِفُ فَنَكَلَ ثَانِيَةً فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ تُرَدُّ الْيَمِينُ ثَانِيَةً عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْأَوَّلَ إنَّمَا سَقَطَ بِهَا شَهَادَةُ الشَّاهِدِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ ابْنُ مُيَسَّرٍ لَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمَطْلُوبِ ثَانِيَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَفَ عَلَى الْحَقِّ مَرَّةً.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَيُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ شَهَادَةٌ قُبِلَتْ فِي الشَّرْعِ مَعَ شَهَادَةِ رَجُلٍ فَجَازَ أَنْ يُقْضَى بِهَا مَعَ الْيَمِينِ.
(ش) : قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ يُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِي الْمَالِ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ بِمَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْأَمْوَالِ الْجَسِيمَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالْحَائِطِ وَالرَّقِيقِ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ وَفِي الْغَصْبِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ مِمَّا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَمَا لَا تَحْمِلُهُ وَفِي إبْرَاءِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَمُصَالَحَتِهِ وَقَبْضِهِ وَفِي التَّبَرِّي مِنْ عَيْبِ الرَّقِيقِ وَإِقْرَارِ مَنْ يَشْهَدُ بِهِ شَاهِدَانِ بِمَالٍ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِبَاطِلٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاشَرَتْ الْمَالَ وَالْعُقُودَ الْمُخْتَصَّةَ بِالْمَالِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ تَعَلَّقَتْ الشَّهَادَةُ بِالْعُقُودِ الَّتِي لَا تَخْتَصُّ بِالْمَالِ وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْمَالُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى حُكْمِ قَاضٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يَثْبُتُ كِتَابُ قَاضٍ إلَى قَاضٍ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَإِنْ كَانَ فِي مَالٍ.
وَقَالَ مُطَرِّفٌ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَثْبُتُ لَهُ الْقَضَاءُ وَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ لَا تَخْتَصُّ بِالْمَالِ وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْمَالُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى النِّكَاحِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ مَقْصُودُهَا الْمَالُ فَأَشْبَهَتْ الْبَيْعَ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْجِرَاحُ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ