. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ» .
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ عُمَرَ أَوَ قَدْ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ لَمْ يَتَقَدَّمْ عِلْمُهُ بِهِ وَلَا عَهْدُهُ بِذَلِكَ الْبَلَدِ قَبْلَ إخْبَارِ هَذَا الْمُخْبِرِ وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي زَمَنِهِ وَرَآهُ وَكَانُوا عُدُولًا بِتَعْدِيلِ اللَّهِ إيَّاهُمْ وَإِخْبَارِهِ أَنَّهُمْ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وقَوْله تَعَالَى {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29] الْآيَةَ وَبِهَذَا كَانَ التَّعْدِيلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ إنَّ نَاسًا كَانُوا يَأْخُذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نُؤَاخِذُكُمْ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمَّنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ لَنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا شَرًّا لَمْ نُؤَمِّنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ حَسَنَةً فَلَمَّا كَانَ هَذَا حُكْمَ الصَّحَابَةِ كَانَ الْأَمْرُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ زَمَنِ عُمَرَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ عَدْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ صَحَابِيٍّ وَهُمْ عُدُولٌ فَلَمَّا أُخْبِرَ عُمَرُ بِمَا أُحْدِثَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ أَوَ قَدْ كَانَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ يَظُنُّ الْأَمْرَ عَلَى مَا عَهِدَ فَلَمَّا أُخْبِرَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ قَالَ وَاَللَّهِ لَا يُؤْسَرُ رَجُلٌ فِي الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ الْعُدُولِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ ثَبَتَ عَلَى شَاهِدٍ أَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ فَإِنْ كَانَ لِنِسْيَانٍ وَغَفْلَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَنْ كَثُرَ مِنْهُ ذَلِكَ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَلَمْ يُحْكَمْ بِهَا لِفِسْقِهِ، فَأَمَّا مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقِرَّ بِتَعَمُّدِ ذَلِكَ، وَالثَّانِي أَنْ يَرْجِعَ عَنْ شَهَادَتِهِ بَعْدَ أَدَائِهَا، فَأَمَّا إنْ أَقَرَّ بِتَعَمُّدِ شَهَادَةِ الزُّورِ فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُجْلَدُ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُضْرَبُ بِالسَّوْطِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَضْرِبُهُ الْقَاضِي قَدْرَ مَا يَرَى، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ يُكْشَفُ عَنْ ظَهْرِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُضْرَبُ ضَرْبًا مُوجِعًا.
(فَرْعٌ) وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُطَافُ بِهِ وَيُشْهَرُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُطَافُ بِهِ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْجَمَاعَاتِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُشْهَرُ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْحِلَقِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي مَجَالِسِ الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ يُسْجَنُ، وَرَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ وَلَا أَرَى الْحَلْقَ وَالتَّسْخِيمَ.
(فَرْعٌ) وَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا زَادَ عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ، وَإِنْ تَابَ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَرَوَى عَلِيٌّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ وَأَظُنُّهُ لِمَالِكٍ وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ مِمَّا يُسَرُّ وَلَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَةِ صَلَاحِ حَالِهِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا نَوْعُ فِسْقٍ فَلَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ بَعْدَ التَّوْبَةِ كَالْقَذْفِ.
(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ فَبِأَيِّ شَيْءٍ تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ بِالصَّلَاحِ وَالدَّءُوبِ فِي الْخَيْرِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأُولَى كَانَتْ حَالَ عَدَالَةٍ فِي الظَّاهِرِ، وَقَدْ وَقَعَ مِنْهُ مَعَهَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ عَدَالَةٍ فَلَا تَثْبُتُ لَهُ تَوْبَةٌ إلَّا بِزِيَادَةِ خَيْرٍ مَا كَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ وُجُودِ شَهَادَةِ الزُّورِ مِنْهُ كَالْقَاذِفِ إذَا كَانَ عَدْلًا حِينَ قَذَفَهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ عُمَرَ وَاَللَّهِ لَا يُؤْسَرُ رَجُلٌ فِي الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ الْعُدُولِ قِيلَ مَعْنَاهُ لَا يُحْبَسُ، وَالْأَسْرُ الْحَبْسُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ لَا يُمْلَكُ مِلْكَ الْأَسْرِ لِإِقَامَةِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ إلَّا بِالصَّحَابَةِ الَّذِينَ جَمِيعُهُمْ عُدُولٌ أَوْ بِالْعَدْلِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ تُعْرَفْ عَدَالَتُهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مُجَرَّدُ الْإِسْلَامِ يَقْتَضِي الْعَدَالَةَ فَكُلُّ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ حُكِمَ لَهُ بِالْعَدَالَةِ وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ حَتَّى يُعْرَفَ فِسْقُهُ وَحَكَى عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ ذَلِكَ إلَى زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْقَرْنَ الثَّالِثَ آخِرُ الْقُرُونِ الَّتِي أَثْنَى عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا مَنْ بَعْدَ الْقَرْنِ الثَّالِثِ فَلَا يَكْفِي فِي عَدَالَتِهِمْ مُجَرَّدُ