(ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ لَقَدْ جِئْتُك لِأَمْرٍ مَا لَهُ رَأْسٌ وَلَا ذَنَبٌ فَقَالَ عُمَرُ وَمَا هُوَ فَقَالَ شَهَادَةُ الزُّورِ ظَهَرَتْ بِأَرْضِنَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَوَ قَدْ كَانَ ذَلِكَ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ عُمَرُ وَاَللَّهِ لَا يُؤْسَرُ رَجُلٌ فِي الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ الْعُدُولِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكِفَايَةِ كَالْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ فَإِذَا قَامَ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ سَقَطَ فَرْضُهَا عَنْ سَائِرِ النَّاسِ، وَإِذَا تَرَكَ الْقِيَامَ بِهَا جَمِيعُهُمْ أَثِمُوا كُلُّهُمْ إذَا كَانَ الْحَقُّ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي وَهُوَ حَقُّ الْآدَمِيِّينَ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ إسْقَاطُهُ مِثْلُ أَنْ يَرَى مِلْكَ رَجُلٍ يُبَاعُ أَوْ يُوهَبُ أَوْ يُحَوَّلُ عَنْ حَالِهِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ جُرْحَةٌ فِي الشَّاهِدِ حِينَ رَأَى ذَلِكَ وَلَمْ يُعْلِمْ بِعِلْمِهِ فِيهِ قَالَ غَيْرُهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا لَا يَعْلَمُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ حَاضِرًا فَهُوَ كَالْإِقْرَارِ.
وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ إنَّمَا ذَلِكَ فِيمَا كَانَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ كَانَ لِلشَّاهِدِ الْقِيَامُ بِهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ كَالْحَوَالَةِ وَالطَّلَاقِ، وَأَمَّا الْعُرُوض وَالْحَيَوَانُ وَالرِّبَاعُ فَلَا يُبْطِلُ ذَلِكَ شَهَادَتَهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ إنْ كَانَ حَاضِرًا فَهُوَ أَضَاعَ حَقَّهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَلَيْسَ لِلشَّاهِدِ شَهَادَةٌ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَهَذَا عِنْدِي إنَّمَا يَكُونُ جُرْحَةً فِي الشَّاهِدِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إذَا كَتَمَهَا وَلَمْ يُعْلِمْ بِهَا بَطَلَ الْحَقُّ فَكَتَمَ ذَلِكَ حَتَّى صُولِحَ عَلَى أَقَلَّ مِمَّا يَجِبُ لَهُ أَوْ حَتَّى نَالَتْهُ بِكِتْمَانِ شَهَادَتِهِ مَعَرَّةٌ وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ مَضَرَّةٌ فَعَلِمَ ضَرُورَتَهُ إلَى شَهَادَتِهِ وَلَمْ يَقُمْ بِهَا حَتَّى دَخَلَتْ عَلَيْهِ مَضَرَّةٌ بِكِتْمَانِهِ إيَّاهَا فَهِيَ جُرْحَةٌ فِي شَهَادَتِهِ، وَأَمَّا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ صَاحِبَ الْحَقِّ قَدْ تَرَكَهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي يَأْتِي شَهَادَتُهُ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ تَأْوِيلِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ مَا بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ يَأْتِي بِهَا أَنْ يَأْتِيَ بِهَا إلَى صَاحِبِ الْحَقِّ فَيُخْبِرَهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْحَقِّ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَأْتِيهِ لِأَدَائِهَا قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا سُئِلَ أَدَاءَهَا بَادَرَ بِذَلِكَ فَأَسْرَعَ إلَيْهِ وَلَمْ يُحْوَجْ إلَى تَكْرَارِ السُّؤَالِ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ يُعْطِيك قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُ وَيُجِيبُك قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ سُرْعَةَ عَطَائِهِ وَسُرْعَةَ جَوَابِهِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا الْحَاكِمَ فَيُؤَدِّيَهَا عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ إيَّاهَا؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَسْمَعُهَا مِنْهُ إذَا لَمْ يَقُمْ صَاحِبُ الْحَقِّ بِهَا، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «خَيْرُكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَأْتِي قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ» .
وَقَدْ قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ إنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِي الْحَدِيثِ الْيَمِينُ يُرِيدُ أَنَّهُ يَحْلِفُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ.
(ش) : قَوْلُهُ جِئْتُك بِأَمْرٍ مَا لَهُ رَأْسٌ وَلَا ذَنَبٌ مَعْنَاهُ لَيْسَ لَهُ أَوَّلٌ وَلَا آخِرٌ هَذَا مِمَّا تَسْتَعْمِلُهُ الْعَرَبُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا يُرِيدُونَ بِهِ الْكَثْرَةَ فَيَقُولُ هَذَا جِنْسٌ لَا أَوَّلَ لَهُ وَلَا آخِرَ إذَا أَخْبَرْت عَنْ كَثْرَتِهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُرِيدُ بِهِ الْأَمْرَ الْمُبْهَمَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ وَجْهُهُ وَلَا يُهْتَدَى لِإِصْلَاحِهِ فَيُقَالُ لَيْسَ لِهَذَا الْأَمْرِ أَوَّلٌ وَلَا آخِرُ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُبْهَمٌ لَيْسَ لَهُ وَجْهٌ يُتَنَاوَلُ مِنْهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْكَثْرَةَ فِي كَثْرَةِ شُهُودِ الزُّورِ، وَأَنْ يُرِيدَ بِهِ عِظَمَ الْفَسَادِ بِهَذَا الْأَمْرِ حَتَّى لَا يُهْتَدَى لِإِصْلَاحِهِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ شَهَادَةُ الزُّورِ ظَهَرَتْ بِأَرْضِنَا يُرِيدُ الشَّهَادَةَ بِالْبَاطِلِ ظَهَرَتْ بِأَرْضِهِمْ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ وَلَوْ كَانَتْ بِأَرْضِهِمْ قَدِيمًا لَمْ يَصِفْهَا الْآنَ بِالظُّهُورِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَصِفُهَا بِالدَّوَامِ أَوْ بِالْبَقَاءِ وَالتَّزَايُدِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72] وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا