(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُتَقَارِضَيْنِ إذَا تَفَاصَلَا فَبَقِيَ بِيَدِ الْعَامِلِ مِنْ الْمُبْتَاعِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيهِ خَلَقُ الْقِرْبَةِ أَوْ خَلَقُ الثَّوْبِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَانَ تَافِهًا يَسِيرًا لَا خَطْبَ لَهُ فَهُوَ لِلْعَامِلِ، وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا أَفْتَى بِرَدِّ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءُ الَّذِي لَهُ ثَمَنٌ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا لَهُ اسْمٌ مِثْلُ الدَّابَّةِ أَوْ الْجَمَلِ أَوْ الشاذكونة أَوْ أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا لَهُ ثَمَنٌ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يُرَدَّ مَا بَقِيَ عِنْدَهُ مِنْ هَذَا إلَّا أَنْ يَتَحَلَّلَ صَاحِبُهُ مِنْ ذَلِكَ) .

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ يُقَوَّمُ الدَّيْنُ فَيُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْمِائَةِ دِينَارٍ الْمُؤَجَّلَةِ فَمَا فَضَلَ عَنْ الْمِائَةِ دِينَارٍ النَّقْدُ عَنْ قِيمَةِ الْمِائَةِ الْمُؤَجَّلَةِ فَعَلَى الْعَامِلِ.

(فَرْعٌ) وَلَوْ بَاعَهَا الْعَامِلُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ فِيهَا فَرَبِحَ فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الرِّبْحَ، وَالْوَضِيعَةَ عَلَى الْعَامِلِ قَالَ وَكَيْفَ يَأْخُذُ رِبْحَ مَا يَضْمَنُهُ الْعَامِلُ فِي ذِمَّتِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ السِّلْعَةَ لَمْ يَتَعَلَّقْ ثَمَنُهَا بِذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ رِبْحُهَا وَلَمَّا اخْتَصَّتْ بِذِمَّةِ الْعَامِلِ وَضَمَانِهِ كَانَ لَهُ رِبْحُهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إنْ كَانَ اشْتَرَى بِنَقْدٍ فَلَمْ يَنْقُدْ حَتَّى تَلِفَ الْمَالُ الَّذِي بِيَدِهِ فَهَذَا الَّذِي قَالَ إنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ بِعْ السِّلْعَةَ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ فَهُوَ لِي، وَإِنْ كَانَ نُقْصَانٌ كَانَ عَلَيْك؛ لِأَنَّك ضَيَّعْت الْمَالَ فَلَا حُجَّةَ لِرَبِّ الْمَالِ فِي قَوْلِهِ بِعْ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا رِبْحٌ فَلِي لِأَنَّ لِلْعَامِلِ أَنْ يَقُولَ إذَا تَعَلَّقَ ثَمَنُ السِّلْعَةِ بِذِمَّتِي دُونَ مَالِكَ فَلَا حَظَّ لَك مِنْ الرِّبْحِ، وَلَا حُجَّةَ لِلْعَامِلِ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا اشْتَرَيْتهَا بِمَالِك الَّذِي أَعْطَيْتنِي فَإِنَّ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَقُولَ صَدَقْت فَلَا تَطْلُبْ مِنِّي غَيْرَهُ فَإِنَّنِي لَمْ آذَنْ لَكَ تَتَّجِرُ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِي غَيْرَ مَا دَفَعْتُهُ إلَيْك فَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُك فِي غَيْرِهِ وَإِذَا طَلَبْتنِي بِغُرْمِ مَا نَقَصَ فَقَدْ حَوَّلْت تَصَرُّفَك مِنْ مَالِي فِي غَيْرِ مَالِ الْقِرَاضِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ مَالِكٍ وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ الْمُشْتَرِيَ أَدَاءُ ثَمَنِهَا عَلَى الْبَائِعِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعُهْدَةَ لِلْبَائِعِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِسِوَاهُ وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ مَخْرَجٌ عَنْ مَالِهِ عَلَيْهِ إلَّا بِالْأَدَاءِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ، وَإِنَّمَا الْخِيَارُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَقَدْ فَسَّرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَيُقَالُ لِصَاحِبِ الْمَالِ الْقِرَاضُ إنْ شِئْت فَأَدِّ الْمِائَةَ يُرِيدُ ثَمَنَ السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَى الْعَامِلُ بِدَيْنٍ فَتَكُونُ السِّلْعَةُ عَلَى مَا شَرَطْتَ مِنْ الْقِرَاضِ، وَإِنْ شِئْت فَابْرَأْ مِنْ السِّلْعَةِ يُرِيدُ أَنْ لَا حَظَّ لَك فِي رِبْحِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْك مِنْ نَقْصِ ثَمَنِهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ بَاعَ الْعَامِلُ السِّلْعَةَ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ ثَمَنَهَا وَقَبْلَ أَنْ يُتْلِفَ فَرَبِحَ فِيهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ مِنْ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ لِلْقِرَاضِ اشْتَرَى، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِي لِلْقِرَاضِ وَعَلَى أَنْ يَنْقُدَ مِنْهُ، وَالْمَالُ الَّذِي عُوِّلَ عَلَى النَّقْدِ مِنْهُ بَاقٍ حِينَ الْبَيْعِ وَظُهُورِ الرِّبْحِ فَكَانَ الْبَيْعُ لِلْقِرَاضِ، وَالرِّبْحُ عَلَى شَرْطِهِ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْعَامِلَ إذَا رَدَّ الْمَالَ وَكَانَ قَدْ سَافَرَ سَفَرًا اكْتَسَى فِيهِ وَتَجَهَّزَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَإِنَّ مَا بَقِيَ مِنْ جِهَازِهِ وَكِسْوَتِهِ مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ لِلْعَامِلِ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ كَخَلَقِ الْجُبَّةِ، وَالْقِرْبَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ، وَكَذَلِكَ الْغِرَارَةُ، وَالْإِدَاوَةُ قَالَ سَحْنُونٌ وَمَا كَانَ مِنْ الثِّيَابِ تَافِهًا خَلَقًا تُرِكَتْ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لِلثِّيَابِ بَالٌ بِيعَتْ وَرُدَّ ثَمَنُهَا فِي الْمَالِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمَعَانِي تُتْرَكُ لِمَنْ كَانَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَالرَّجُلِ يُطَلِّقُ الْمَرْأَةَ وَعَلَيْهَا بَقِيَّةُ كِسْوَةٍ أَوْ تَكُونُ طَالِقًا حَامِلًا فَتَضَعُ وَعَلَيْهَا بَقِيَّةُ كِسْوَةٍ فَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ الَّذِي لَهُ بَالٌ رُدَّ إلَى مُسْتَحَقِّهِ وَإِذَا كَانَ يَسِيرًا لَا قَدْرَ لَهُ كَانَ بَيْعًا لِمَنْ تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ حَقِّهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَامِلَ لَوْ عَمِلَ فِي الْمَالِ عَمَلًا يَسِيرًا لَا يَلْزَمُهُ مِنْ نَقْلِ مَتَاعٍ أَوْ عَمَلٍ خَفِيفٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ عِوَضٌ، وَلَوْ عَمِلَ فِيهِ الصَّنَائِعَ، وَالرُّقُومَ لَكَانَ لَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ مَا كَانَ لَهُ ثَمَنٌ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ عِنْدَهُ مِنْ هَذَا إلَّا أَنْ يَتَحَلَّلَ صَاحِبُهُ مِنْ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنْ يُعْلِمَهُ بِمَا بَقِيَ عِنْدَهُ وَيُعْلِمَهُ بِصِفَتِهِ وَقَدْرِهِ، فَإِنْ جَعَلَهُ رَبُّ الْمَالِ فِي حِلٍّ مِنْهُ سَاغَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا رَدَّ إلَيْهِ مِنْهُ حَقَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015