(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَسَاقَى الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَحِلُّ لِصَاحِبِهَا كِرَاؤُهَا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَثْمَانِ الْمَعْلُومَةِ) .
(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يُعْطِي أَرْضَهُ الْبَيْضَاءَ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبْعِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا فَذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلُهُ الْغَرَرُ لِأَنَّ الزَّرْعَ يَقِلُّ مَرَّةً، وَيَكْثُرُ مَرَّةً، وَرُبَّمَا هَلَكَ رَأْسًا فَيَكُونُ صَاحِبُ الْأَرْضِ قَدْ تَرَكَ كِرَاءً مَعْلُومًا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يُكْرِيَ أَرْضَهُ بِهِ، وَأَخَذَ أَمْرًا غَرَرًا لَا يَدْرِي أَيَتِمُّ أَمْ لَا فَهَذَا مَكْرُوهٌ، وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أَجِيرَ السَّفَرِ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ قَالَ الَّذِي اسْتَأْجَرَ الْأَجِيرَ هَلْ لَك أَنْ أُعْطِيَك عُشْرَ مَا أَرْبَحُ فِي سَفَرِي هَذَا إجَارَةً لَك فَهَذَا لَا يَحِلُّ، وَلَا يَنْبَغِي قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ، وَلَا أَرْضَهُ وَلَا سَفِينَتَهُ إلَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ لَا يَزُولُ إلَى غَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ فِي النَّخْلِ وَالْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ أَنَّ صَاحِبَ النَّخْلِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَهَا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَصَاحِبُ الْأَرْضِ يُكْرِيهَا، وَهِيَ أَرْضٌ بَيْضَاءُ لَا شَيْءَ فِيهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــQاحْتِمَالِهِ اللَّفْظَ بِهَذَا الْقَوْلِ وَلِإِبْطَالِ الْعَقْدِ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ إنَّمَا مَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مُسَاقَاةَ مَا أَزْهَى، وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ إجَارَةً لِأَنَّ عُرْفَ الْمُسَاقَاةِ أَنْ لَا يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا إلَى جِدَادِ الثَّمَرَةِ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرَطَ عَلَى صَاحِبِهِ أَنْ لَا يُقَاسِمَهُ، وَلَا يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِهِ إلَّا عِنْدَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ الْجِدَادِ، وَهُوَ فِي الْإِجَارَةِ لَوْ شَرَطَ هَذَا لَمْ يَجُزْ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ بِبَعْضِهِ إذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُقَاسِمَ، وَيَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِهِ مَا شَاءَ فَإِنْ اُعْتُرِضَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ فِي بَيْعِ أَحَدِ الْمُسَاقِيَيْنِ لِسَهْمِهِ فَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ، وَالْمُشْتَرِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجَدِّ فَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ وَقَعَتْ عَلَى التَّقِيَّةِ فَلَمَّا احْتَاجَ إلَى الْبَيْعِ، وَاسْتَضَرَّ بِمَنْعِهِ سُومِحَ بِذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ.
(ش) : قَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَسَاقَى الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لِصَاحِبِهَا كِرَاؤُهَا يُرِيدُ أَنَّ مَا حَلَّ بَيْعُهُ لِلْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ لَا يَحِلُّ الْمُعَامَلَةُ عَلَيْهِ بِبَعْضِ نَمَائِهِ الْخَارِجِ عَنْهُ، وَبِذَلِكَ لَا تَجُوزُ مُسَاقَاةُ الْأَرْضِ الَّتِي يَجُوزُ كِرَاؤُهَا لِلْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهَا وَهِيَ الثَّمَرَةُ، وَإِنْ جَازَ أَنْ تُكْرَى لِغَيْرِ مَنْفَعَتِهَا الْمَقْصُودَةِ مِنْهَا لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْشُرَ عَلَيْهَا ثِيَابًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ.
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ يَحِلُّ لِصَاحِبِهَا كِرَاؤُهَا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَثْمَانِ يُرِيدُ، وَمَا أَشْبَهَ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ فَإِنَّمَا يُمْنَعُ كِرَاؤُهَا بِكَثِيرٍ مِمَّا يُعَاوَضُ بِهِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(ش) : قَوْلُهُ فَاَلَّذِي يُعْطِي أَرْضَهُ الْبَيْضَاءَ بِثُلُثِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَوْ رُبْعِهِ يَدْخُلُهُ الْغَرَرُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُكْرِيَ أَرْضَهُ الْبَيْضَاءَ بِجُزْءٍ يَخْرُجُ مِنْهَا، وَإِنْ جَازَ أَنْ يُكْرِيَهَا فِي الْجُمْلَةِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ الرُّبْعَ لَا يَدْرُونَ قَدْرَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَقِلُّ مَرَّةً، وَرُبَّمَا تَلِفَ جَمِيعُهُ، وَيَكْثُرُ أُخْرَى، وَالْكِرَاءُ مُعَاوَضَةٌ عَلَى مَنَافِعِ الْأَرْضِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ لَا سِيَّمَا فِيمَنْ تُمْكِنُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ لِشَيْءٍ مَعْلُومٍ، وَإِنَّمَا جَازَ فِي الْمُسَاقَاةِ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَى مَنَافِعِ الثِّمَارِ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا بِثُلُثِ مَا يَرْبَحُ فِي سَفَرِهِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ اسْتِئْجَارِهِ بِإِجَارَةٍ مَعْلُومَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَقَدْ جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ اسْتِئْجَارَ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ «كَانُوا يَزْرَعُونَهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَالنِّصْفِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ» ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا عِوَضٌ فِي الْإِجَارَةِ مَجْهُولٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا كَالْجُزْءِ الَّذِي لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْمُخَابَرَةُ اكْتِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْجُزْءِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَالْخَبَرُ حَرْثُ الْأَرْضِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا بِطَعَامٍ مُقَدَّرٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ عَمِّهِ «ظُهَيْرِ بْنِ رَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَمْرٍ كَانَ بِنَا رَافِقًا قُلْت مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ حَقٌّ قَالَ