(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالسُّنَّةُ فِي الْمُسَاقَاةِ عِنْدَنَا أَنَّهَا تَكُونُ فِي كُلِّ أَصْلٍ نَخْلٍ أَوْ كَرْمٍ أَوْ زَيْتُونٍ أَوْ تِينٍ أَوْ رُمَّانٍ أَوْ فِرْسِكٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ نِصْفَ الثَّمَرِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ رُبْعَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ قَالَ مَالِكٌ وَالْمُسَاقَاةُ أَيْضًا تَجُوزُ فِي الزَّرْعِ إذَا خَرَجَ وَاسْتَقَلَّ فَعَجَزَ صَاحِبُهُ عَنْ سَقْيِهِ وَعَمَلِهِ وَعِلَاجِهِ فَالْمُسَاقَاةُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا جَائِزَةٌ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» مَعْنَاهُ أَنَّ عَمَلَ الْمُسَاقَاةِ مُخْتَصٌّ بِالثَّمَرَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى بَعْدَ تَمَامِ الْمُسَاقَاةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ إجَارَةً بِثَمَرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لَهُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ.
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَدَا صَلَاحُهُ، وَحَلَّ بَيْعُهُ فَقَالَ لَهُ اعْمَلْ لِي بَعْضَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ لِعَمَلٍ مَعْرُوفٍ بِنِصْفِ هَذِهِ الثَّمَرَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ بِشَيْءٍ مَعْرُوفٍ يُرِيدُ أَنَّهُ لَوْ بَدَا صَلَاحُهُ لَصَحَّتْ الْإِجَارَةُ بِهِ، وَهَذِهِ الْأَعْمَالُ الْبَاقِيَةُ بَعْدَ الثَّمَرَةِ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَيْهَا بِثَمَرَةٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَالْمُسَاقَاةُ تَجُوزُ فِي ثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي أَعْمَالٍ تَبْقَى بَعْدَ الثَّمَرَةِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ لَهَا قِيمَةٌ، وَيُكَلَّفُ فِيهَا مُؤْنَةٌ، وَنَفَقَةٌ.
(ش) : قَوْلُهُ السُّنَّةُ عِنْدَنَا فِي الْمُسَاقَاةِ أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَصْلِ كُلِّ نَخْلٍ أَوْ كَرْمٍ أَوْ زَيْتُونٍ أَوْ تِينٍ أَوْ فِرْسِكٍ يُرِيدُ الْخَوْخَ قَالَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ إلَّا فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا شَجَرٌ مُثْمِرٌ لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ فَجَازَتْ الْمُسَاقَاةُ فِيهِ كَالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ)
وَإِذَا كَانَتْ الثِّمَارُ بَعْلًا لَا تُسْقَى، وَإِنَّمَا فِيهَا مِنْ الْعَمَلِ الْحَرْثُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مُسَاقَاتُهَا جَائِزَةٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَرْثَ عَمَلٌ تَزْكُو بِهِ الثِّمَارُ، وَلَا تَزْكُو دُونَهُ فَجَازَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى عَمَلِهِ كَالسَّقْيِ.
وَقَالَ فِي الْوَاضِحَةِ تَجُوزُ مُسَاقَاةُ شَجَرِ الْبَعْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عَمَلٌ وَلَا مُؤْنَةٌ لِأَنَّ لَهَا حِرَاسَةً وَجِدَادًا فَجَعَلَ الْمُسَاقَاةَ فِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحَرْثِ، وَصَحَّحَ الْمُسَاقَاةَ بِالْحِرَاسَةِ وَالْجِدَادِ، وَمِثْلُ هَذَا يُوجَدُ فِي الزَّرْعِ.
(فَرْعٌ)
وَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ، وَكَذَلِكَ الشَّجَرُ كُلُّهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَقْدَ إذَا جَاءَ فِي كَثِيرِ الْجِنْسِ جَازَ فِي قَلِيلِهِ كَالْإِجَارَةِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ)
وَاخْتُلِفَ فِي مُسَاقَاةِ الْمَرْسِينِ، وَهُوَ الرَّيْحَانُ يُرِيدُ الْآسَ فَأَجَازَهُ ابْنُ وَهْبٍ قَالَهُ أَصْبَغُ، وَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ثُمَّ أَجَازَهُ، وَثَبَتَ عَلَى إجَازَتِهِ، وَاخْتَارَ مُحَمَّدٌ مَنْعَهُ قَالَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَالْمَوْزِ وَالْقَصَبِ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَشْجَارُهُ ثَابِتَةً، وَإِنَّمَا تُقْطَعُ مِنْهَا أَغْصَانُهَا الثَّابِتَةُ كَالسِّدْرَةِ.
وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قِيلَ إنَّ أُصُولَهُ تَعْظُمُ، وَتُقِيمُ السَّنَتَيْنِ، وَيُجَدُّ الشِّتَاءَ وَالصَّيْفَ، وَلَيْسَ لَهُ إبَّانٌ فَيُجَدُّ ثُمَّ يَنْقَطِعُ فَإِذَا كَانَ يُجَدُّ هَكَذَا كُلَّ وَقْتٍ لَمْ تَجُزْ مُسَاقَاتُهُ لِأَنَّهُ يَحِلُّ بَيْعُهُ إذَا بَدَا أَوَّلُهُ.
(مَسْأَلَةٌ)
وَتَجُوزُ مُسَاقَاةِ الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْقُطْنِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ، وَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ صَاحِبُهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ لِهَذِهِ أَصْلًا بَاقِيًا وَسَاقًا ثَابِتًا فَصَحَّتْ الْمُسَاقَاةُ فِيهِ دُونَ عَجْزٍ عَنْ الشَّجَرِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ)
فَأَمَّا مُسَاقَاةُ الزَّرْعِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ تَجُوزُ مُسَاقَاةُ الزَّرْعِ إذَا اسْتَقَلَّ عَنْ الْأَرْضِ، وَعَجَزَ عَنْهُ صَاحِبُهُ فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ بَعْدُ لَمْ تَجُزْ مُسَاقَاتُهُ لِأَنَّهُ بَذْرٌ ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَمَّنْ لَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ سَوَاءٌ عَجَزَ عَنْهُ أَوْ لَمْ يَعْجِزْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ بَعْدُ، وَإِنَّمَا هُوَ بَذْرٌ قَالَ فَإِنْ وَقَعَ فَالزَّرْعُ لِصَاحِبِهِ، وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ.
(مَسْأَلَةٌ)
وَإِذَا طَلَعَ وَعَجَزَ عَنْهُ صَاحِبُهُ جَازَتْ الْمُسَاقَاةُ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ صَاحِبُهُ أَوْ لَمْ يَسْتَقِلَّ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ.
وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الزَّرْعِ، وَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ صَاحِبُهُ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ أَيْ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الزَّرْعِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الزَّرْعَ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ، وَمُدَّةُ الْعَمَلِ فِيهِ يَسِيرَةٌ، وَالنَّخْلُ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ ثَابِتٌ، وَيُسْتَدَامُ الْعَمَلُ فِيهَا أَبَدًا، وَإِلَّا تَلِفَتْ فَدَوَامُ الْعَمَلِ فِيهَا يَقُومُ مَقَامَ الْعَجْزِ عَنْهَا لِأَنَّ الزَّرْعَ إنَّمَا يَسْتَدِيمُ الْعَمَلُ فِيهِ مُدَّةً يَسِيرَةً إنْ شَاءَ تَرَكَ الْأَرْضَ أَوْ أَخَّرَهَا، وَلَمْ يَتَكَلَّفْ تَعَبًا، وَلَا عَمَلًا فِيهَا فَلِذَلِكَ