(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُعْطِي الرَّجُلَ السِّلْعَةَ فَيَبِيعُهَا، وَقَدْ قَوَّمَهَا صَاحِبُهَا قِيمَةً فَقَالَ إنْ بِعْتهَا بِهَذَا الثَّمَنِ الَّذِي أَمَرْتُك بِهِ فَلَكَ دِينَارٌ أَوْ شَيْءٌ يُسَمِّيهِ لَهُ يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَبِعْهَا فَلَيْسَ لَك شَيْءٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا سَمَّى ثَمَنًا يَبِيعُهَا بِهِ وَسَمَّى أَجْرًا مَعْلُومًا إذَا بَاعَ أَخَذَهُ، وَإِنْ لَمْ يَبِعْ فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ، وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ إنْ قَدَرْت عَلَى غُلَامِي الْآبِقِ أَوْ جِئْت بِجَمَلِي الشَّارِدِ فَلَكَ كَذَا، وَكَذَا فَهَذَا مِنْ بَابِ الْجُعْلِ، وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ لَمْ يَصْلُحْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQصِفَاتُ آحَادِهَا فِي الْمَقْصُودِ مِنْهَا فَهَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الْجُزَافِ مَعَ كَوْنِهِ مَعْدُومًا.
وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يَجُوزُ الْجُزَافُ فِي كُلِّ مَكِيلٍ كَالْحِنْطَةِ أَوْ مَوْزُونٍ كَاللَّحْمِ أَوْ مَعْدُودٍ كَالْجَوْزِ وَالْبِيضِ مِمَّا الْغَرَضُ فِي مَبْلَغِهِ دُونَ أَعْيَانِهِ، وَلَا آحَادِهِ.
وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ، وَلَا مَوْزُونٍ مِمَّا الْغَرَضُ فِي أَعْيَانِهِ كَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ وَالثِّيَابِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْجُزَافُ لِأَنَّ آحَادَهَا تَحْتَاجُ أَنْ تَنْفَرِدَ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَالْمَعْرِفَةِ بِصِفَتِهَا، وَقِيمَتِهَا فِي نَفْسِهَا.
فَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ لَا يَكُونُ الْجُزَافُ فِيمَا يُعَدُّ عَدَدًا يُرِيدُ بِذَلِكَ مَا الْغَالِبُ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ يَسْهُلَ عَدَدُهُ لِقِلَّتِهِ، وَلَا يُقَدَّرُ بِكَيْلٍ، وَلَا وَزْنٍ، وَلَكِنَّهُ لِسَبَبِ عِلَّةٍ مُنِعَ الْجُزَافُ فِيهِ إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ اخْتِلَافِ صِفَاتِهِ وَتَفَاوُتِ قِيمَتِهِ فِي الْأَغْلَبِ، وَمَعْنَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ الْجُزَافَ يَجُوزُ فِي الْمَعْدُودِ كَمَا يَجُوزُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ يُرِيدُ الْمَعْدُودَ الَّذِي يَتَعَذَّرُ مَبْلَغُهُ بِالْعَدَدِ كَمَا يَتَعَذَّرُ الْمَكِيلُ بِالْكَيْلِ وَالْمَوْزُونُ بِالْوَزْنِ، وَلَا يُقَدَّرُ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْخَيْلُ وَسَائِرُ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ فَلَيْسَ لَهَا قَدْرٌ تَتَقَدَّرُ بِهِ، وَإِنَّمَا اشْتَرَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ، وَإِنْ بِيعَتْ الْخَيْلُ، وَشُقَقُ الْكَتَّانِ إذَا كَثُرَتْ بِالْعَدَدِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَدَدَ مِقْدَارٌ لَهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ يَشُقُّ تَقْدِيرُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيُجْعَلُ لَهَا ثَمَنٌ وَاحِدٌ، وَيَكُونُ زِيَادَةُ ثَمَنِ بَعْضِهَا بِنُقْصَانِ ثَمَنِ غَيْرِهَا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وَزْنِهِ جَمِيعًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْمَعْدُودِ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَا يَتَفَاوَتُ قِيَمُ آحَادِهِ فَإِنَّمَا يَكُونُ الْغَرَرُ فِي مَبْلَغِهِ، وَالْحَيَوَانُ وَالْعَرْضُ يَتَفَاوَتُ قِيَمُ آحَادِهِ فَيَكْثُرُ الْغَرَرُ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مِنْ جِهَةِ مَبْلَغِهَا، وَمُنْتَهَى عَدَدِهَا، وَالثَّانِيَةُ مِنْ وَجْهِ اخْتِلَافِ صِفَتِهَا فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَمْ فِي تِلْكَ الْجُمْلَةِ مِنْ الْجَيِّدِ وَلَا مِنْ الدَّنِيءِ فَمُنِعَ الْجُزَافُ فِيهِ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ، وَأُبِيحَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ لِقِلَّتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ الْكَلَامِ فِي بَيْعِ الْجُزَافِ فِي الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ بِالصَّوَابِ.
(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ مَنْ أَعْطَى لِرَجُلٍ سِلْعَتَهُ، وَقَالَ لَهُ إنْ بِعْتهَا بِثَمَنِ كَذَا فَلَكَ دِينَارٌ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْجُعْلِ، وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهِ قَوْله تَعَالَى {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وَمِنْ شَرْطِ الْجُعْلِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُؤَجَّلٍ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْعَامِلِ فَلَوْ ضُرِبَ لَهُ أَجَلٌ اقْتَضَى ذَلِكَ اللُّزُومَ، وَإِنَّمَا يَتَقَدَّرُ عَمَلُ الْجُعْلِ بِتَمَامِ الْعَمَلِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ الْجُعْلَ بِتَمَامِهِ كَقَوْلِهِ إنْ بِعْت لِي هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا فَلَكَ دِينَارٌ أَوْ إنْ بِعْته فَلَكَ دِينَارٌ، وَلَا يُسَمَّى ثَمَنًا، وَإِنْ جِئْتنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ أَوْ بِبَعِيرِي الشَّارِدِ فَلَكَ دِينَارٌ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ)
وَلَا يَجُوزُ الْجُعْلُ فِي عَمَلٍ إنْ تَرَكَ الْعَمَلَ بَقِيَ لِلْجَاعِلِ فِيهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ إنْ عَمِلْت لِي شَهْرًا فَلَكَ كَذَا، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَك، وَمَا يَعْمَلُ فِيهِ الْمَجْعُولُ لَهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْمَلَ فِي غَيْرِ مِلْكِ الْجَاعِلِ، وَالثَّانِي أَنْ يَعْمَلَ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ كَانَ يَعْمَلُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ مِثْلُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ جُعْلًا فِي رَدِّ عَبْدِهِ الْآبِقِ أَوْ جَمَلِهِ الشَّارِدِ أَوْ يَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا فِي غَيْرِ أَرْضِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَجُوزُ الْجُعْلُ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى مَا قَلَّ، وَكَثُرَ لِأَنَّ الْعَامِلَ إذَا تَرَكَ الْعَمَلَ لَا يَبْقَى بِيَدِ الْجَاعِلِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي، وَهُوَ أَنْ يَعْمَلَ فِي مِلْكِ الْجَاعِلِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ جُعْلًا عَلَى أَنْ يَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا فِي أَرْضِهِ فَلَا يَجُوزُ عَلَى وَجْهِ الْعَمَلِ لِأَنَّ الْجُعْلَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ إتْمَامُ الْعَمَلِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ فَإِذَا حَفَرَ فِي مِلْكِ الْجَاعِلِ ثُمَّ تَرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَهُ انْتَفَعَ الْجَاعِلُ بِمَا عَمِلَهُ دُونَ عِوَضٍ فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْجُعْلِ يُجْعَلُ لِلْخَصْمِ عَلَى