بِهَا) .
(ص) : (قَالَ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يَقُولُ أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إنْ بَاعَ سَمْحًا إنْ ابْتَاعَ سَمْحًا إنْ قَضَى سَمْحًا إنْ اقْتَضَى) .
(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ أَوْ الْبَزَّ أَوْ الرَّقِيقَ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْعُرُوضِ جُزَافًا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ الْجُزَافُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يُعَدُّ عَدَدًا) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ إذَا جِئْت أَرْضًا يُوفُونَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ فَأَطِلْ الْمُقَامَ بِهَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُبَارَكَ لَهُمْ فِيمَا يَكِيلُونَهُ وَيَزِنُونَهُ فَمَنْ أَطَالَ الْمُقَامَ بِهَا نَالَهُ مِنْ بَرَكَةِ عَمَلِهِمْ وَبُورِكَ لَهُ إذَا عَمِلَ بِعَمَلِهِمْ كَمَا يُبَارَكُ لَهُمْ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ الْخَيْرُ وَالْعَدْلُ شَائِعًا عِنْدَهُمْ لِأَنَّ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ إذَا كَانَ جَارِيًا عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ تَوْفِيَةِ الْحَقِّ وَظُهُورِهِ حَتَّى يَعُمَّ جَمِيعَهُمْ فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ سَائِرَ أَحْوَالِهِمْ جَارِيَةٌ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ.
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ إذَا جِئْت أَرْضًا يَنْقُصُونَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ فَأَقْلِلْ الْمُقَامَ بِهَا يَحْتَمِلُ أَيْضًا وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذِهِ عُقُوبَةٌ قَدْ عَاقَبَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَجْلِهَا أُمَمًا وَأَهْلَكَهُمْ بِسَبَبِهَا فَحَذَّرَ الْمُقَامَ بِبَلَدٍ يَكُونُ هَذَا فِيهِمْ، وَيَشِيعُ فِي أَسْوَاقِهِمْ، وَحَذَّرَ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيَنَالُهُ مَعَهُمْ مَا يَذْهَبُ مِنْ بَرَكَةِ مَالِهِ، وَيَصْرِفُهُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ النَّقْصَ فِي ذَلِكَ يُذْهِبُ بَرَكَةَ الْبَيْعِ فَلَا حَظَّ لَهُمْ فِي الْمُقَامِ فِيهِ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: 2] {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 3] .
وَقَالَ تَعَالَى مَا قَالَ رَسُولُهُ شُعَيْبٌ لِقَوْمِهِ فَقَالَ {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 85] وَعَلَى كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّ ظُهُورَ الْمُنْكَرِ، وَعُمُومَهُ مِمَّا يُحْذَرُ تَعْجِيلُ عُقُوبَتِهِ.
وَقَدْ «قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ، وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» فَهَذَا مَعَ الصَّالِحِينَ فَكَيْفَ مَعَ قِلَّتِهِمْ أَوْ مَعَ عَدَمِهِمْ نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا بِفَضْلِهِ وَيَتَغَمَّدَ زَلَلَنَا بِرَحْمَتِهِ.
(ش) : قَوْلُهُ أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إنْ بَاعَ سَمْحًا إنْ ابْتَاعَ يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالسَّمَاحَةِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ الْمُسَامَحَةَ فِي الثَّمَنِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ، وَلَا يُشْطِطْ بِطَلَبِ أَكْثَرَ مِنْهَا، وَيَتَجَاوَزُ فِي النَّقْدِ، وَأَنْ يُنْظِرَ بِالثَّمَنِ.
وَقَدْ رَوَى رِبْعِيٍّ بْنُ خِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَلَقَّتْ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَالُوا عَمِلْتَ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ كُنْت أُنْظِرُ الْمُوسِرَ، وَأَتَجَاوَزُ عَنْ الْمُعْسِرِ قَالَ فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ» ، وَفِي الْوَاضِحَةِ تُسْتَحَبُّ الْمُسَامَحَةُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَلَيْسَ هُوَ تَرْكَ الْمُكَايَسَةِ فِيهِ إنَّمَا هِيَ تَرْكُ الْمُوَارَبَةِ وَالْمُضَاجَرَةِ وَالْكَزَازَةِ وَالرِّضَا بِالْإِحْسَانِ وَيَسِيرِ الرِّبْحِ، وَحُسْنُ الطَّلَبِ بِالثَّمَنِ قَالَ وَيُكْرَهُ الْمَدْحُ وَالذَّمُّ فِي التَّبَايُعِ، وَلَا يُفْسَخُ بِهِ، وَيَأْثَمُ فَاعِلُهُ لِشَبَهِهِ بِالْخَدِيعَةِ، وَمِنْ الْمَكْرُوهِ الْخَدِيعَةُ فِيهِ الْأَلْغَازُ بِالْيَمِينِ، وَقَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ عُمَرُ وَالْحَلِفُ فِيهِ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ لَمْ يُلْغَزْ، وَرُوِيَ أَنَّ الْبَرَكَةَ تُرْفَعُ مِنْهُ بِالْيَمِينِ، وَالْمُسَامَحَةُ مِنْ الْمُبْتَاعِ فِي أَنْ يَقْضِيَ أَفْضَلَ مِمَّا يَجِدُ، وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّ أَفْضَلَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» ، وَيُعَجِّلُ الْقَضَاءَ، وَلَا يَبْلُغُ الْمَطْلَ فَهُوَ قَوْلُهُ سَمْحًا إنْ قَضَى، وَلَا يُعَنِّفُ فِي سُرْعَةِ الِاقْتِضَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا الَّذِي أَوْرَدَهُ مَالِكٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَدْ أَوْرَدَهُ الْحَافِظُ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ عَبَّاسٍ.
(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّهُ قَالَ لَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا جُزَافًا، وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَا يَكُونُ الْجُزَافُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يُعَدُّ عَدَدًا يَحْتَاجُ إلَى تَفْسِيرٍ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا يُعَدُّ عَدَدًا يَنْقَسِمُ عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ تَخْتَلِفُ صِفَاتُهُ كَالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَالْعُرُوضِ فَإِنَّ هَذَا لَا يَكَادُ جُمْلَةٌ مِنْهَا تَتَّفِقُ آحَادُهَا فَهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَلَا تَخْتَلِفُ صِفَاتُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كَالْجَوْزِ وَالْبِيضِ فَهَذَا إذَا وُجِدَتْ مِنْهُ جُمْلَةٌ فَأَكْثَرُهَا تَتَّفِقُ