(مَا يُنْهَى عَنْهُ فِي الْمُسَاوَمَةِ وَالْمُبَايَعَةِ)

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» .

وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا تَصُرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» قَالَ مَالِكٌ، وَتَفْسِيرُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا نَرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى أَنْ يَسُومَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ إذَا رَكَنَ الْبَائِعُ إلَى السَّائِمِ، وَجَعَلَ يَشْتَرِطُ وَزْنَ الذَّهَبِ، وَيَتَبَرَّأُ مِنْ الْعُيُوبِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ أَرَادَ مُبَايَعَةَ السَّائِمِ فَهَذَا الَّذِي نَهَى عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِالسَّوْمِ بِالسِّلْعَةِ تُوقَفُ لِلْبَيْعِ فَيَسُومُ بِهَا غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ تَرَكَ النَّاسُ السَّوْمَ عِنْدَ أَوَّلِ مَنْ يَسُومُ بِهَا أُخِذَتْ بِشَبَهِ الْبَاطِلِ مِنْ الثَّمَنِ، وَدَخَلَ عَلَى الْبَاعَةِ فِي سِلَعِهِمْ الْمَكْرُوهُ، وَلَمْ يَزَلْ الْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى هَذَا)

ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يُنْهَى عَنْهُ فِي الْمُسَاوَمَةِ وَالْمُبَايَعَةِ وَفِيهِ أَبْوَاب]

(ش) : قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَشْتَرِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ اشْتَرَيْت، وَشَرَيْت بِمَعْنَى بِعْت قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف: 20] .

وَقَالَ {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102] قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَقَالَ إنَّمَا النَّهْيُ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ، وَنَحْوَ هَذَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَأَبِي زَيْدٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لَيْسَ لِلْحَدِيثِ وَجْهٌ غَيْرُ هَذَا عِنْدِي لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَكَادُ يَدْخُلُ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ أَنْ يَزِيدَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمُشْتَرِي وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ لِلْحُطَيْئَةِ

وَبِعْت لِذُبْيَانَ الْعَلَاءَ بِمَالِكَا

يُرِيدُ اشْتَرَيْت قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ، وَعِنْدِي أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ اللَّفْظُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيُمْنَعُ الْبَائِعُ أَيْضًا مِنْ أَنْ يَبِيعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ إذَا كَانَ قَدْ رَكَنَ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ، وَوَافَقَهُ فِي ثَمَنِ سِلْعَتِهِ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا تَمَامُ الْعَقْدِ فَيَأْتِي مَنْ يَصْرِفُهُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ عَلَى وَجْهِ غَيْرِ الْإِرْخَاصِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا حَمَلَ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى مَا قَالَهُ لِأَنَّ الْإِرْخَاصَ مُسْتَحَبٌّ مَشْرُوعٌ فَإِذَا أَتَى مَنْ يَبِيعُ بِأَرْخَصَ مِنْ بَيْعِ الْأَوَّلِ فَلَا مَنْعَ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ مَنَعَ مِنْ تَلَقِّي السِّلَعِ، وَذَلِكَ إرْخَاصٌ عَلَى مُتَلَقِّيهَا غَيْرَ أَنَّ فِيهَا إغْلَاءً عَلَى أَهْلِ الْأَسْوَاقِ الَّتِي هِيَ أَعَمُّ نَفْعًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَالضَّعِيفِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّلَقِّي.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُهُ «عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ» يُرِيدُ الْمُسْلِمَ، وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ شَرْطًا فِيمَا يُمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِإِظْهَارِ قُبْحِ فِعْلِهِ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ بِالْأُخُوَّةِ الَّتِي تَمْنَعُ الْمُقَابَحَةَ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي رَكَنَ إلَى بَيْعِهِ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَإِنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَجَوَّزَ ذَلِكَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا لَهُ عَهْدٌ، وَذِمَّةٌ كَالْمُسْلِمِ أَيْضًا فَإِنَّ كُلَّ حُكْمٍ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ.

1 -

(مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ وَقَعَ وَسَامَ رَجُلٌ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَيَعْرِضُهَا عَلَى الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يُفْسَخُ، وَأَرَى أَنْ يُؤَدَّبَ، وَقَالَ غَيْرُهُ بَلْ يُفْسَخُ ذَلِكَ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ يُؤَدَّبُ يُرِيدُ لِمَنْ عَصَى بِهَذَا الْفِعْلِ إلَى الِاسْتِغْفَارِ مِنْهُ، وَنَدَبَهُ لِمَنْ مَنَعَهُ مِنْهُ وَظَلَمَهُ فِيهِ، وَزَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُعَاقَبُ بِالْأَدَبِ، وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ مَنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ بَعْدَ الزَّجْرِ، وَوَجْهُ قَوْلِ الْغَيْرِ يُفْسَخُ أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهْيٌ عَنْهُ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.

(فَرْعٌ)

فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ يَعْرِضُهَا عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015