(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ لَا يَبِيعَ الرَّجُلُ إلَّا مَا عِنْدَهُ، وَأَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ فِي شَيْءٍ لَيْسَ عِنْدَهُ أَصْلُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْعَيْنَةِ إنَّمَا يَحْمِلُ ذَهَبَهُ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَبْتَاعَ بِهَا فَيَقُولَ هَذِهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَمَا تُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ لَك بِهَا فَكَأَنَّهُ يَبِيعُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ نَقْدًا بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا إلَى أَجَلٍ فَلِهَذَا كُرِهَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تِلْكَ الدُّخْلَةُ وَالدُّلْسَةُ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَمْرًا يَتَأَخَّرُ، وَوَجْهُ رِوَايَةُ أَشْهَبَ أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا يُمْكِنُ قَبْضُهَا إلَّا بِقَبْضِ الرِّقَابِ، وَذَلِكَ قَدْ وُجِدَ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا اسْتِئْجَارُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ كَالثَّوْبِ يَصْبُغُهُ أَوْ يَخِيطُهُ أَوْ الْحِنْطَةِ يَطْحَنُهَا أَوْ يُكْرِي لَهُ مِنْهُ أَرْضًا فَقَدْ مَنَعَهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ إلَّا الْعَمَلَ الْيَسِيرَ، وَالدَّيْنُ لَمْ يَحِلَّ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ حَلَّ لَمْ يَجُزْ فِي يَسِيرٍ، وَلَا فِي كَثِيرٍ، وَكَرِهَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ فِي دَيْنٍ لَمْ يَحِلَّ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ لَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ قَالَ أَخَافُ أَنْ يَمْرَضَ أَوْ يَغِيبَ فَيَتَأَخَّرَ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ فَيَصِيرَ دَيْنًا بِدَيْنٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَبْلَ الْأَجَلِ مِنْ بَابِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ بِالْعَمَلِ الَّذِي يَعْمَلُهُ لَهُ، وَلَا يَكُونُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ بَعْدُ عَلَيْهِ فَيَفْسَخُهُ فِي غَيْرِهِ، وَيَقْتَضِي هَذَا أَنَّ دَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَبْقَى إلَى الْأَجَلِ، وَأَمَّا إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ دَيْنُهُ الْحَالُ فِي الْعَمَلِ، وَلِذَلِكَ لَا يَبْقَى لَهُ فِي ذِمَّتِهِ بِنَفْسِ الِاسْتِئْجَارِ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَا يُضَارِعُ بَيْعَ الدَّيْنِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الرَّجُلِ دَيْنٌ مِنْ عُرُوضٍ يَقْضِيكَهَا بِبَلَدٍ فَتَلْقَاهُ بِبَلَدٍ آخَرَ فَلَا بَأْسَ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ، وَتَرَاضَيْتُمَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ مَالَك عَلَيْهِ فِي جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ لَا أَفْضَلَ، وَلَا أَدْوَنَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْأَجَلِ لَمْ يَجُزْ كَانَ دَيْنُك مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبَلَدِ قَبْلَ الْأَجَلِ مِثْلُهُ، وَيَجُوزُ فِي الْقَرْضِ أَجْوَدُ مِنْهُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَبْلَ الْأَجَلِ إذَا أَعْطَاهُ بِغَيْرِ الْبَلَدِ لَمْ يَخْلُ مِنْ حُطَّ عَنِّي الضَّمَانَ، وَأَزِيدُك أَوْ ضَعْ، وَتَعَجَّلْ، وَكَذَلِكَ الْقَرْضُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ بِغَيْرِ بَلَدِ الْقَرْضِ، وَإِنْ كَانَ بِبَلَدِ الْقَرْضِ أَوْ قَبْلَ السَّلَمِ جَازَ قَبْلَ الْأَجَلِ مِثْلُهُ، وَلَمْ يَجُزْ أَدْوَنُ، وَلَا أَفْضَلُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَيَجُوزُ فِي الْقَرْضِ أَجْوَدُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَدْوَنَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يَتَعَجَّلَهُ فَيَدْخُلُهُ ضَعْ وَتَعَجَّلْ.
(ش) : هَذَا عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ مِنْ وُجُوهِ فَسَادِ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَإِنْ جَازَ ذَلِكَ فِي السَّلَمِ إنْ عَمِلَ أَهْلُ الْعَيْنَةِ إنَّمَا يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ إلَى سَلَفِ دِرْهَمٍ فِي دِرْهَمٍ وَنِصْفٍ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ هَذِهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ أَشْتَرِي لَك بِهَا مَا شِئْت أَبِيعُهُ مِنْك بِخَمْسَةَ عَشَر دِينَارًا إلَى أَجَلٍ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ عَشَرَةً نَقْدًا بِخَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك بِسَبَبِ الذَّرِيعَةِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ لِمَا كَانَ يَتَكَرَّرُ قَصْدُهُ، وَإِلَّا فَبَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك مَمْنُوعٌ لِنَفْسِهِ، وَقَدْ رَوَى جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهِك عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِينِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي أَبِيعُهُ مِنْهُ ثُمَّ ابْتَاعَهُ مِنْ السُّوقِ قَالَ فَقَالَ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» ، وَهَذَا أَحْسَنُ أَسَانِيدِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ السَّلَمَ لَا يَصِحُّ إلَّا مُؤَجَّلًا، وَإِذَا جَوَّزْنَا السَّلَمَ عَلَى الْحَوْلِ حُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَهُوَ أَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا مُعَيَّنًا قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهُ وَيَتَضَمَّنَ خُرُوجَهُ مِنْ مِلْكِهِ، وَعَلَى أَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ لَا يَتَنَاوَلُ السَّلَمَ فِي الظَّاهِرِ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ لِبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَيُطْلَبُ عَقِيبَ الْبَيْعِ بِقَضَائِهِ فَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا.
(فَرْقٌ) وَفَرْقٌ بَيْنَ شِرَاءِ مَا عِنْدَ الْبَائِعِ وَبَيْنَ السَّلَمِ فِيهِ أَنَّ السَّلَمَ اخْتَصَّ بِالتَّأْجِيلِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالْبَيْعُ يَخْتَصُّ بِنَفْسِ الْمَبِيعِ، وَمَا اخْتَصَّ بِأَحَدِ الْعَقْدَيْنِ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّصْحِيحِ لِلْعَقْدِ كَالْأَجَلِ فِي السَّلَمِ وَفَرْقٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ السَّلَمَ يُنَافِي التَّعْيِينَ فِي الْمَبِيعِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ فَضَمَانُهُ إلَى الْأَجَلِ، وَالْبَيْعُ يُنَافِي عَدَمَ التَّعْيِينِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ بِتَعَذُّرِ تَحْصِيلِهِ، وَتَفَاوُتِ ثَمَنِهِ مَعَ كَوْنِهِ حَالًا عَلَيْهِ فَلَا يَجِدُ السَّبِيلَ إلَى تَسْلِيمِهِ.