. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدُهُمَا أَنْ يَخْتَلِفَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالثَّانِي أَنْ يَخْتَلِفَا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَقَبْلَ فَوَاتِ السِّلْعَةِ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَخْتَلِفَا بَعْدَ فَوَاتِ السِّلْعَةِ فَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُبْتَاعُ السِّلْعَةَ فَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ عَلَيْهَا مَالِكٌ فِي أَصْلِ الْكِتَابِ، وَقَالَ إنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا، وَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَقَالَ الْمُبْتَاعُ ابْتَعْتهَا مِنْك بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَقَالَ إنَّهُ يَبْدَأُ بِالْبَائِعِ فَيُقَالُ لَهُ إنْ شِئْت أَنْ تُسَلِّمَهَا لِلْمُبْتَاعِ بِمَا قَالَ وَإِلَّا فَاحْلِفْ أَنَّك بِعْتهَا مِنْهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَإِنْ حَلَفَ قِيلَ لِلْمُبْتَاعِ خُذْهَا بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ، وَإِلَّا فَاحْلِفْ بِأَنَّك اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ بِخَمْسَةٍ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَلْزَمْ أَحَدُهُمَا مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْآخَرُ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ، وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ دَعْوَى أَحَدِهِمَا بِأَظْهَرَ مِنْ دَعْوَى الْآخَرِ لَكِنْ قَدَمَ الْبَائِعُ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ التَّسْلِيمِ أَوْ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ أَقْدَمُ مِنْ مِلْكِ الْمُبْتَاعِ، وَالْإِيجَابُ الَّذِي مِنْ جِهَتِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْمُبْتَاعِ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ تَكُنْ يَمِينُهُ يَمِينًا يَسْتَحِقُّ بِهَا مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ يَمِينُهُ يَمِينًا تَمْنَعُ الْمُبْتَاعَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ السِّلْعَةِ لِمَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ إنْ حَلَفَ، وَيُقَوِّي دَعْوَاهُ أَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ بِالثَّمَنِ الَّذِي ذَكَرَهُ فَإِذَا اقْتَرَنَ بِهِ نُكُولُ الْمُبْتَاعِ اسْتَحَقَّ بِهَا الثَّمَنَ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ فَإِذَا حَلَفَ الْمُبْتَاعُ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَيْضًا أَخْذَ السِّلْعَةِ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ إنَّمَا هِيَ لِمُقَاوَمَةِ يَمِينِ الْبَائِعِ، وَلِتَقْوَى دَعْوَاهُ بِمِثْلِ مَا قَوَّى بِهِ الْبَائِعُ دَعْوَاهُ بِيَمِينِهِ فَإِذَا تَكَافَأَتْ الْيَمِينَانِ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْآخَرِ فَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ اقْتَضَتْ يَمِينُهُ أَنْ لَا يُخْرِجَ السِّلْعَةَ مِنْ يَدِهِ بِخَمْسَةِ مَثَاقِيلَ، وَالْمُبْتَاعُ اقْتَضَتْ يَمِينُهُ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهَا عَشَرَةَ مَثَاقِيلَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا فَسْخُ مَا بَيْنَهُمَا.
(فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا يُفْسَخُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ إنَّ بِنَفْسِ التَّخَالُفِ يُنْتَقَضُ التَّبَايُعُ، وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إذَا تَحَالَفَا ثُمَّ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُبْتَاعُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْفَسْخِ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ فَذَلِكَ لَهُ، وَجْهُ مَا قَالَهُ سَحْنُونٌ إنَّ الْحَلِفَ إذَا لَزِمَ مِنْ الْجِهَتَيْنِ، وَيَعْقُبُهُ فَسْخٌ كَانَ ذَلِكَ لَازِمًا لَا خِيَارَ فِيهِ لِأَحَدٍ كَاللِّعَانِ، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مِنْ أَنَّ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا أَنَّ الْخِيَارَ قَدْ ثَبَتَ لِلْبَائِعِ بِنَفْسِ اخْتِلَافِهِمَا، وَلِذَلِكَ خُيِّرَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ، وَلَيْسَ فِي أَيْمَانِهِمَا مَا يَقْطَعُ خِيَارَهُ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ إنَّمَا كَانَتْ لِتُقَوِّيَ دَعْوَاهُ، وَيَمِينُ الْمُبْتَاعِ لِتُقَاوِمَ يَمِينَ الْبَائِعِ، وَتَمْنَعَهُ مِنْ أَخْذِ السِّلْعَةِ لِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَبَقِيَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، وَنُحَرِّرُ مِنْ هَذَا قِيَاسًا فَنَقُولُ إنَّ هَذَا خِيَارٌ لِلْبَائِعِ ثَبَتَ بِاخْتِلَافِهِمَا فَكَانَ بَاقِيًا لَهُ مَا لَمْ يَفْسَخْ بَيْعَهُمَا أَصْلُ ذَلِكَ قَبْلَ تَحَالُفِهِمَا، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ بِيَمِينِ الْبَائِعِ قَدْ انْتَقَلَ الْخِيَارُ إلَى الْمُبْتَاعِ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُمْضِيَ السِّلْعَةَ لِلْبَائِعِ لِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَكَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ مَعْنَى نُكُولِهِ بَلْ لَا يُعْذَرُ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ هَذَا إلَّا بِالْيَمِينِ فَإِذَا حَلَفَ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ، وَذَلِكَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُمْضِيَ الْبَيْعَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ كَمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ يَمِينِهِ، وَكَانَ لَهُ رَدُّهُ لِمُقَاوَمَةِ يَمِينِهِ يَمِينَ الْبَائِعِ، وَكَانَ الْخِيَارُ لَهُ دُونَ الْبَائِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَوْ نَكَلَ الْبَائِعُ أَوَّلًا نُقِلَتْ الْيَمِينُ إلَى الْمُبْتَاعِ فَإِنْ حَلَفَ كَانَتْ السِّلْعَةُ بِالْخَمْسَةِ الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ قَوَّى جَنْبَتَهُ بِيَمِينِهِ وَنُكُولِ الْبَائِعِ، وَلَوْ نَكَلَ الْمُبْتَاعُ أَيْضًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ يَتَرَادَّانِ، وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ وَرَدَتْ مُجْمَلَةً دُونَ ذِكْرِ يَمِينٍ، وَقَدْ حَمَلَهَا قَوْمٌ عَلَى أَنَّهَا تَلْزَمُ الْمُبْتَاعَ لِمَا قَالَ الْبَائِعُ دُونَ أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ، وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ إلَّا مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ الْأُولَى لَمْ تَكُنْ لِاسْتِحْقَاقِ مَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يُسْقِطَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِيَمِينِهِ فَلَمَّا نَكَلَ عَنْهَا ثُمَّ نَكَلَ الْمُبْتَاعُ بَعْدَهُ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ يَمِينٌ أُخْرَى، وَهِيَ الْيَمِينُ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ إسْقَاطُ ذَلِكَ عَنْهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَرَكَ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ هَذِهِ الْيَمِينِ، وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ، وَيَأْخُذَ