(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ مِنْ الرَّجُلِ فَيَخْتَلِفَانِ فِي الثَّمَنِ فَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُكَهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَيَقُولُ الْمُبْتَاعُ ابْتَعْتهَا مِنْك بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْبَائِعِ إنْ شِئْت فَأَعْطِهَا لِلْمُشْتَرِي بِمَا قَالَ، وَإِنْ شِئْت فَاحْلِفْ بِاَللَّهِ مَا بِعْت سِلْعَتَك إلَّا بِمَا قُلْت فَإِنْ حَلَفَ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَأْخُذَ السِّلْعَةَ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ، وَإِمَّا أَنْ تَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْتهَا إلَّا بِمَا قُلْت فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ مِنْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى صَاحِبِهِ)

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَائِعَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ مَشُورَةَ فُلَانٍ وَخِيَارَهُ، وَكَذَلِكَ الْمُبْتَاعُ خِلَافًا لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَحَدِ وَجْهَيْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْخِيَارَ وُضِعَ لِتَأَمُّلِ الْمَبِيعِ وَاخْتِبَارِهِ، وَقَدْ يَكُونُ هُوَ مِمَّنْ لَا يُبْصِرُ فَيَشْتَرِطُ خِيَارَ غَيْرِهِ أَوْ يَكُونُ هُوَ يُبْصِرُ، وَيَشْتَرِطُ اسْتِعَانَتَهُ بِهِ.

(فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرَطُ مَشُورَتَهُ، وَاخْتِيَارَهُ حَاضِرًا أَوْ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ يَشْتَرِي عَلَى أَنْ يَسْتَحِقَّ قَبْضَهُ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِذَا بَاعَ الْبَائِعُ وَاشْتَرَطَ مَشُورَةَ فُلَانٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ الْمُبْتَاعَ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُمْضِيَ الْبَيْعَ أَوْ يَرُدَّهُ قِبَل نَظَرِ فُلَانٍ الْمَذْكُورِ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ كَمَنْ خَلَعَ وَكَالَةَ وَكِيلٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ ابْتَاعَ عَلَى أَنْ يَسْتَأْمِرَ فُلَانًا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ، وَلَا يَسْتَأْمِرَ هَذَا، وَقَوْلُهُ كَمَنْ خَلَعَ وَكَالَةَ وَكِيلٍ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْمَارَ لَيْسَ بِمَعْنَى التَّوْكِيلِ وَالتَّسْلِيطِ عَلَى الْعَمَلِ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْمُشَاوِرَةِ وَالِاسْتِئْمَارِ اسْتِعْلَامُ رَأْيِ الْمُشِيرِ، وَمَا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ الْعَمَلُ فِي ذَلِكَ لِلْمُسْتَشِيرِ بِمُوَافَقَتِهِ لَهُ أَوْ مُخَالَفَتِهِ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ الْوَكِيلَ الَّذِي فُوِّضَ إلَيْهِ الْعَمَلُ خَلَعَهُ فَكَيْفَ بِمَنْ لَمْ يُفَوَّضْ لَهُ شَيْءٌ.

1 -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إنْ شَرَطَ الْبَائِعُ خِيَارَ أَجْنَبِيٍّ فَقَدْ سَوَّى ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ بَيْنَ الْمَشُورَةِ وَالْخِيَارِ، وَقَالَ إنَّ لِمَنْ شَرَطَ ذَلِكَ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْأَخْذَ أَوْ الرَّدَّ دُونَ الْأَجْنَبِيِّ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَلَا رَدَّ لِلْمُبْتَاعِ إلَّا بِرَأْيِ مَنْ اشْتَرَطَ خِيَارَهُ أَوْ مَشُورَتَهُ كَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ، وَاَلَّذِي فِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ فِي الَّذِي يَبِيعُ السِّلْعَةَ، وَيَسْتَثْنِي أَنْ يَسْتَشِيرَ فُلَانًا فَإِنْ أَمْضَى الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا تَمَّ بَيْعُهُمَا فَقَالَ الْبَيْعُ لَازِمٌ لِلْبَائِعِ، وَلِلْمُبْتَاعِ إنْ أَجَازَهُ الَّذِي اسْتَثْنَى الْبَائِعُ نَظَرَهُ، وَلَا يَنْفَعُ أَحَدُهُمَا نَدَمُهُ، وَهَذَا لَيْسَتْ فِيهِ اسْتِشَارَةٌ فَقَطْ بَلْ قَدْ جُعِلَ إلَيْهِ الْإِمْضَاءُ فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ أَنْ يَجْعَلَا إلَيْهِ الْخِيَارَ وَالرِّضَا، وَقَدْ سَوَّى فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمَا إنْ جَعَلَا إلَى أَجْنَبِيٍّ الرَّدَّ وَالْإِمْضَاءَ إنَّهُمَا قَدْ تَخَاطَرَا فِي ذَلِكَ، وَلَا يُعْجِبُهُ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْبَائِعِ يَبِيعُ عَلَى رِضَا أَجْنَبِيٍّ أَوْ خِيَارِهِ فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ أَوْ فُلَانٌ جَازَ الْبَيْعُ، وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ أَجَازَ مِنْهُمَا الْبَيْعَ جَازَ، وَعَلَيْهِ تَأَوَّلَهُ ابْنُ لُبَابَةَ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَشُورَةِ وَالرِّضَا وَالِاخْتِيَارِ فِي حَقِّ الْمُبْتَاعِ فَقَالَ إنْ شَرَطَ الْمُبْتَاعُ مَشُورَةَ أَجْنَبِيٍّ جَازَ لَهُ أَنْ يُجِيزَ دُونَ الْمُشَاوَرَةِ، وَإِنْ شَرَطَ رِضَاهُ أَوْ عَلَى خِيَارِهِ فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَرُدَّهُ، وَلَا يُجِيزَهُ حَتَّى يَرْضَى فُلَانٌ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا شَرَطَ خِيَارَ أَجْنَبِيٍّ أَوْ رِضَاهُ كَانَ لَهُ الِاخْتِيَارُ دُونَ الْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي يَشْتَرِطُ ذَلِكَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْأَجْنَبِيِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ حَالَ الْبَائِعِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، وَلَهُ عَزْلُ مَنْ جَعَلَ الْخِيَارَ إلَيْهِ، وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَمْلِكْ الْمَبِيعَ بَعْدُ، وَلَمْ يُوجِبْ لَهُ فِيهِ عَلَى اخْتِيَارِهِ إنَّمَا شَرَطَ اخْتِيَارَ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ عَزْلُ الْغَيْرِ عَمَّا لَا يَمْلِكُ.

1 -

(فَرْعٌ) وَمَنْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ، وَشَرَطَ خِيَارَ حَاضِرٍ أَوْ غَائِبٍ قَرِيبِ الْغَيْبَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَهُ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ دُونَهُ بِخِلَافِ الَّذِي يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ، وَتَوْجِيهُهُ يَقْرُبُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ، وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ نَافِعٍ أَنَّ خِيَارَ الْأَجْنَبِيِّ فِي ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ كَانَ كُلُّ، وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعِيًا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مَا لَمْ يَفُتْ الْمَبِيعُ، وَيَتَقَرَّرْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015