(ص) : (قَالَ مَالِكٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأُبَيِّنُ يُرِيدُ أَنَّ ابْنَ عَبْدُوسٍ يَقُولُ إنْ فَاتَتْ لَزِمَ الْبَائِعُ أَنْ يَحُطَّ قِيمَةَ الْعَيْبِ وَرِبْحَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالْوَجْهُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَجْهٌ ظَاهِرٌ عِنْدِي، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً فَحَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ ثُمَّ بَاعَ مُرَابَحَةً، وَبَيَّنَ الْعَيْبَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى مَا بَاعَ مِنْ السِّلْعَةِ بِعَشَرَةٍ، وَهُوَ إنَّمَا اشْتَرَى بِالْعَشَرَةِ مَا بَاعَهُ مِنْ السِّلْعَةِ، وَمَا تَلِفَ عِنْدَهُ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى سِلْعَتَيْنِ بِعَشَرَةٍ، وَبَاعَ إحْدَاهُمَا مُرَابَحَةً عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِعَشَرَةٍ فَعَلَى هَذَا إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ تَكُونُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَقَلَّ مِمَّا يَصِيرُ لَهَا مِنْ الثَّمَنِ وَرِبْحِهِ بَعْدَ إسْقَاطِ قِيمَةِ الْعَيْبِ وَرِبْحِهَا فَلَا يَنْقُصُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِمَّا يَصِيرُ لَهَا مِنْ الثَّمَنِ وَرِبْحِهِ دُونَ إلْغَاءِ قِيمَةِ الْعَيْبِ وَرِبْحِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا زِيَادَةُ الْقِيمَةِ فَهِيَ حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ بِالزِّيَادَةِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً فَحَالَتْ أَسْوَاقُهَا لَا يَبِيعُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ، وَإِنْ زَادَتْ الْأَسْوَاقُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِي الطَّرِيِّ أَرْغَبُ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ زَادَتْ أَسْوَاقُهَا، وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُرَاعِيَ اخْتِلَافَ الْأَسْوَاقِ مَنْ لَا يُرَاعِي اخْتِلَافَ الْعَيْنِ بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَبِيعُ عَلَى شِرَائِهِ، وَالشِّرَاءُ مُخْتَصٌّ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ دُونَ زِيَادَةِ الْعَيْنِ وَنَقْصِهَا، وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ بَقَاءَ السِّلْعَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً يَدُلُّ عَلَى غَلَاءِ شِرَائِهَا، وَعَلَى زُهْدِ النَّاسِ فِي عَيْنِهَا فَإِنْ حَالَتْ أَسْوَاقُهَا إلَى زِيَادَةٍ، وَتَعَذَّرَ بَيْعُهَا مَعَ ذَلِكَ مَعَ تَعْرِيضِهَا لِلْبَيْعِ فَذَلِكَ أَدَلُّ عَلَى الزُّهْدِ فِي عَيْنِهَا، وَإِنَّ الْمُبْتَاعَ لَهَا قَدْ غَلِطَ فِي قِيمَتِهَا، وَإِذَا اطَّلَعَ عَلَى هَذَا مِنْ حَالِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَكْتُمَ عَنْ بَائِعِهِ إيَّاهَا مُرَابَحَةً؛ لِأَنَّهُ دَاخِلُ ابْتِيَاعِهِ فَيَجِبُ لَهُ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ صِفَتِهِ مَا عَرَفَهُ بَعْدُ بَائِعُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا قُلْنَا إنَّ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ تَمْنَعُ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ فَإِنْ حَالَتْ فِي الْقُرْبِ إلَى نَقْصٍ فَلَا بَيْعَ مُرَابَحَةٍ حَتَّى يُبَيِّنَ، وَإِنْ حَالَتْ بِزِيَادَةٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الزِّيَادَةِ أَعْجَبُ إلَى أَنْ لَا يَبِيعَ حَتَّى يُبَيِّنَ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ قُرْبِ الْمُدَّةِ وَطُولِهَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ أَرْغَبُ فِي الطَّرِيِّ وَجَوَّزَ ابْنُ حَبِيبٍ ذَلِكَ فِي الْقُرْبِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ طَالَ لُبْثُهَا عِنْدَهُ فَلْيُبَيِّنْ حَالَ سُوقِهَا أَوْ لَمْ يَحُلْ فَجَعَلَ الْمَانِعَ طُولَ اللُّبْثِ أَوْ التَّغَيُّرَ إلَى النَّقْصِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ فَلِلْمُبْتَاعِ رَدُّ الْمَبِيعِ فَإِنْ فَاتَتْ رَدَّ الْقِيمَةَ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَذَا فِي زِيَادَةِ الْعَيْنِ وَالْقِيمَةِ فَأَمَّا النَّقْصُ مِنْ ذَلِكَ فَمَانِعٌ مِنْ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ بَاعَ جَارِيَةً فَذَهَبَ عِنْدَهُ ضِرْسُهَا أَوْ أَصَابَهَا عَيْبٌ لَا يَبِيعُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَلِلْمُبْتَاعِ الرَّدُّ أَوْ الْإِمْسَاكُ مَا لَمْ تَفُتْ فَإِنْ فَاتَتْ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِذَا حَدَثَ النَّقْصُ مِنْ انْتِفَاعِ الْبَائِعِ بِهِ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ جَارِيَةً فَيَفْتَضَّهَا أَوْ ثَوْبًا فَيَلْبَسَهُ أَوْ دَابَّةً فَيُسَافِرَ عَلَيْهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ وَابْنُ عَبْدُوسٍ إنْ بَاعَ الْجَارِيَةَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ افْتَضَّهَا فَحَطَّهُ الْبَائِعُ مَا يَنُوبُ الِافْتِضَاضَ وَرِبْحَهُ فَلَا حُجَّةَ لَهُ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ بِخِلَافِ الْعُيُوبِ؛ لِأَنَّ مَنْ بَاعَ جَارِيَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ إنَّهَا بِكْرٌ، وَإِنَّمَا حُجَّةُ الْمُبْتَاعِ أَنَّ الْبَائِعَ زَادَ فِي الثَّمَنِ فَهِيَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَشْبَهُ، وَيُفِيتُهَا حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ فَإِنْ فَاتَتْ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ فَالْمُبْتَاعُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْبَائِعِ قِيمَةَ الِافْتِضَاضِ وَرِبْحَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَرْجِعَ الثَّمَنَ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا مُفْتَضَّةً يَوْمَ قَبَضَهَا مَا لَمْ يُزِدْ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ يُنْقِصْ عَنْهُ بَعْدَ طَرْحِ قِيمَةِ الِافْتِضَاضِ وَرِبْحِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَأَصْلُ جَوَابِهَا لِأَشْهَبَ، وَمِثْلُهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُشْتَرِي لِغَنَمٍ عَلَيْهَا صُوفٌ فَجَزَّ أَصْوَافَهَا، وَبَاعَ مُرَابَحَةً، وَلَمْ يُبَيِّنْ، وَاشْتَرَى ثَوْبًا فَلَبِسَهُ أَوْ دَابَّةً فَسَافَرَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ، وَلَيْسَ بِعَيْبٍ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ قَدْ رَأَى الْغَنَمَ مَجْزُوزَةً، وَرَأَى الثَّوْبَ مَلْبُوسًا، وَالدَّابَّةَ قَدْ عَجِفَتْ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ حَدَثَ عِنْدَ الْبَائِعِ مِنْهُ، وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ لِلزِّيَادَةِ عَلَيْهِ فِي الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي عُرِفَ بِهِ كَانَ ثَمَنَ مَا بِيعَ مِنْهُ، وَمَا ذَهَبَ قَبْلَ ذَلِكَ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.