. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَمْ يُفَرِّقْ فِي قَوْلٍ، وَإِنَّمَا قَالَ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ قَدْ يَتَغَيَّرُ فِي طُولِ الْمُدَّةِ عَمَّا عَرَفَهُ عَلَيْهِ الْمُبْتَاعُ فَإِذَا كَانَ هَذَا الْغَالِبُ مِنْ حَالِهِ حُمِلَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ تَقَادَمَ تَقَادُمًا يَتَغَيَّرُ فِيهِ فَالصَّفْقَةُ فَاسِدَةٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِنْ شَرَطَ الْبَائِعُ أَنَّهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ يَوْمَ الرُّؤْيَةِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْعَشَرَةَ أَعْوَامٍ مِمَّا تَتَغَيَّرُ فِيهَا السِّلَعُ فَلَا تُبَاعُ إلَّا بِشَرْطِ أَنَّهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ فِيمَا يَبْقَى عَلَى حَالِهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ كَالثِّيَابِ، وَلَا يُمْكِنُ هَذَا فِي الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ سِنَّهُ يَتَغَيَّرُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ، وَلَيْسَ الْحَوْلِيُّ كَالرُّبَاعِيِّ وَالْجِذَعُ كَالْقَارِحِ فِيهِنَّ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ فِيهَا، وَبِذَلِكَ فَارَقَ الْحَوْلِيُّ الرُّبَاعِيَّ؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ اسْتِحَالَةً، وَفَارَقَ الْجَذَعُ الْقَارِحَ؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ اسْتِحَالَةً مِنْهُ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ رَأَى عَبْدًا مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ اشْتَرَاهُ عَلَى غَيْرِ صِفَةٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَا يُنْقَضُ، وَهُوَ بَيْعٌ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ رَأَى فَهَذَا إنْ كَانَ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْعِشْرِينَ سَنَةً مِنْ قِصَارِ الْمُدَدِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُدَّةً يُعْلَمُ أَنَّهُ تَتَغَيَّرُ فِيهَا الْأَسْنَانُ غَالِبًا، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ شَرَطَ أَنَّهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ رَآهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَذَلِكَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ لِقَوْلِهِ فِي عَشَرَةِ أَعْوَامٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَفِي صِحَّةِ بَيْعِ الْمَبِيعِ الْبَعِيدِ الْغَيْبَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَضْرِبَ لِقَبْضِهِ أَجَلًا رَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ ضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلًا لَمْ يَجُزْ زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ قَرِيبًا، وَلَا بَعِيدًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ إنْ أَجَّلَ قَبْضَهُ يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ مُتَقَدِّرٌ تَقْدِيرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا مَسَافَةُ مَا بَيْنَ بَلَدِ الْبَيْعِ، وَبَلَدِ الْمَبِيعِ، وَالثَّانِي الْأَجَلُ الَّذِي يَضْرِبَانِهِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ اكْتَرَى دَابَّةً مِنْ مِصْرَ إلَى الشَّامِ عَلَى أَنْ يَقْطَعَ ذَلِكَ فِي مُدَّةٍ سَمَّيَاهَا.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ لَا يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ عَلَى الْبَائِعِ حَمْلَ الْمَبِيعِ إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ يَسْتَوْفِيه فِيهِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَوْضِعَ الْعَقْدِ فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمُبْتَاعُ الْمَبِيعَ حَيْثُ شَرَطَا بَيْنَهُمَا حَمْلَهُ، وَالثَّانِي أَنْ يَشْتَرِطَ قَبْضَهُ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ يَكُونُ عَلَى الْبَائِعِ حَمْلُهُ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ الَّذِي قُلْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ مِنْ أَجْلِ الضَّمَانِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ تَضَمَّنَهُ لَهُ الْبَائِعُ فِي حَمْلِهِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِغَرَضِ الْمُبْتَاعِ مَعَ مَا فِي السَّفَرِ مِنْ الْغَرَرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَسَافَةُ الْيَسِيرَةُ الَّتِي لَا غَرَرَ فِيهَا غَالِبًا.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَهُوَ جَائِزٌ لَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ لِمَا يَخْتَصُّ بِغَرَضِ الْمُبْتَاعِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُهُ لِمَعْنًى يَخُصُّهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الطَّعَامَ مَضْمُونٌ عَلَى الْكَرْيِ إذَا غَابَ عَلَيْهِ، وَانْفَرَدَ بِحَمْلِهِ دُونَ صَاحِبِهِ، وَحُكْمُ هَذَا الضَّمَانِ حُكْمُ ضَمَانِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ، وَبِذَلِكَ يَخْتَصُّ هَذَا بِنَوْعٍ مِنْ الطَّعَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَأَمَّا الْبَعِيدُ الْغَيْبَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْقَلُ، وَيُحَوَّلُ كَالثِّيَابِ وَالْأَطْعِمَةِ وَالْعُرُوضِ الْمَنْقُولَةِ أَوْ مِمَّا لَا يُنْقَلُ كَالْأَرْضِ وَالدُّورِ وَالْأُصُولِ الثَّابِتَةِ وَالْأَشْجَارِ فَأَمَّا مَا يُنْقَلُ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ، وَإِنْ شَرَطَ الضَّمَانَ عَلَى الْمُبْتَاعِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا آلَ إلَيْهِ حَالُهُ مُنْذُ زَالَ عَنْ بَائِعِهِ، وَلَا يَكَادُ أَنْ يَنْتَهِيَ خَبَرُهُ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُ ضَيَاعِهِ، وَمَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ مِنْ النَّقْصِ وَالزِّيَادَةِ فَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ النَّقْدِ جَازَ لِسَلَامَةِ ذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْأُصُولُ الثَّابِتَةُ فَجَوَّزَ ذَلِكَ فِيهَا ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى النَّقْدِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَمَنَعَ مِنْهُ أَشْهَبُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إنَّمَا مَنَعَ مَالِكٌ ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ، وَالْعُرُوضِ لِسُرْعَةِ اسْتِحَالَتِهَا فِي أَنْفُسِهَا وَإِمْكَانِ نَقْصِهَا فَإِذَا قَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ فَلَمْ يَقْبِضْهُ عَلَى ثِقَةٍ أَنَّهُ لَهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ قَدْ هَلَكَ أَوْ دَخَلَهُ نَقْصٌ أَوْ يَدْخُلُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الثَّمَنِ سَلَفًا، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ