(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ: إذَا لَمْ يَجِدْ الرَّجُلُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ مَالِكٌ، وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْت أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَرْعٌ) وَأَمَّا مَنْ سُقِيَ السَّيْكَرَانَ ثُمَّ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَهُوَ كَالْبِرْسَامِ، وَهُوَ لَمْ يُدْخِلْهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ قَصَدَ شُرْبَهُ عَلَى وَجْهِ الدَّوَاءِ، وَالْعِلَاجِ فَأَصَابَهُ مَا بَلَغَ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَشَارِبِ الْخَمْرِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ شُرْبَ السَّيْكَرَانِ يُذْهِبُ الْعَقْلَ وَيَجْعَلُ صَاحِبَهُ كَالْمُبَرْسَمِ وَقَالَ ذَلِكَ فِي الْمَرِيضِ يُطَلِّقُ فِي هَذَيَانِهِ لَا يَلْزَمُهُ، وَلَوْ طَلَّقَ، وَقَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنْ الْمَرَضِ ثُمَّ صَحَّ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ حَلَفَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ، وَأَمَّا شَارِبُ الْخَمْرِ فَمُلْتَذُّ بِسُكْرِهِ وَمَعْنَاهُ الِاجْتِرَاءُ عَلَى الْمَعَاصِي وَتَشَعُّبِ الْأَمَانِي مَعَ بَقَاءِ كَثِيرٍ مِنْ الْمَيْزِ الَّذِي يَلْزَمُهُ بِهِ الْقِصَاصُ، وَالْحُدُودُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّ الْحُدُودَ، وَالطَّلَاقَ تَلْزَمُهُ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِتَحْرِيمٍ وَلَا كَانَ فِيهِ عِتْقٌ كَالْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ وَعَطِيَّتِهِ، وَإِنْكَاحِ ابْنَتِهِ وَإِقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ قَالَ سَحْنُونُ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: يَجُوزُ عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِهِ حَالَ سُكْرِهِ أَنَّهُ سَفِيهٌ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا لَا يَلْزَمُ السَّفِيهُ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ هَذِهِ حُقُوقٌ لَازِمَةٌ كَالطَّلَاقِ، وَالْحُدُودِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ مَنْ لَيْسَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَمَعَهُ مِنْ الْمَيْزِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِهِ الْقِصَاصُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ سَائِرُ أَفْعَالِهِ كَالصَّاحِي، وَأَمَّا وَصِيَّتُهُ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: مَا كَانَ مِنْهَا لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ كَالْعِتْقِ الْمُبْتَلِّ فَهُوَ لَازِمٌ ثُمَّ رَجَعَ سَحْنُونُ بِالْعَشِيِّ فَقَالَ تَلْزَمُهُ وَصِيَّتُهُ بِالْعِتْقِ وَوَصِيَّتُهُ لِقَوْمٍ وَلَا يَكُونُ أَسْوَأَ حَالًا مِنْ الصَّبِيِّ، وَالسَّفِيهِ تَجُوزُ وَصِيَّتُهُمَا فَالسَّكْرَانُ أَحْرَى أَنْ تَجُوزَ وَصِيَّتُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الصَّبِيَّ وَلَا السَّفِيهَ.
(ش) : قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَجِدْ الرَّجُلُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا يَقْتَضِي أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةً لَازِمَةً لَهُ تُقَابِلُ اسْتِحْقَاقَهُ لِاسْتِدَامَةِ نِكَاحِهَا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ النَّفَقَةَ فِي مُقَابَلَةِ اسْتِدَامَةِ الِاسْتِمْتَاعِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَفِي هَذَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ أَحَدُهَا فِي ذِكْرِ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ مِنْ الزَّوْجَاتِ وَتَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ مِنْ الْأَزْوَاجِ، وَالْبَابُ الثَّانِي فِيمَا يَسْقُطُ بِهِ النَّفَقَةُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ نُشُوزٍ، وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ وَصِفَتِهَا، وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا يَجِبُ مِنْ الْخِيَارِ بِالْإِعْسَارِ عَنْ ذَلِكَ.
تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ الْحُرِّ لِزَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ مَا دَامَتْ الزَّوْجِيَّةُ بَيْنَهُمَا بَاقِيَةً وَلَمْ يَكُنْ مِنْ قِبَلِهَا نُشُوزٌ، وَذَلِكَ إذَا دَخَلَ بِهَا أَوْ دُعِيَ إلَى الدُّخُولِ بِهَا وَكَانَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ بَالِغًا وَتَكُونَ هِيَ مِمَّنْ يُسْتَمْتَعُ بِمِثْلِهَا وَيُمْكِنُ وَطْؤُهَا، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ أَوْ كَانَتْ هِيَ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا لِصِغَرِهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي تَرْكِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ غَيْرُ مُتَأَتٍّ مِنْهَا فَلَمْ تَسْتَحِقَّ الْعِوَضَ مِنْ النَّفَقَةِ كَالْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنَةِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجَانِ مُوسِرَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا تَلْزَمُهُ نَفَقَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7] ، فَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُتْبَعْ بِمَا أَنْفَقَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا حَالَ إعْسَارِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَقٌّ لَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الزَّوْجِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إذَا أَيْسَرَ.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَأَرَادَ السَّفَرَ نُظِرَ إلَى قَدْرِ سَفَرِهِ فَوَضَعَ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ أَوْ أَقَامَ حَمِيلًا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ حَمِيلٌ بِالنَّفَقَةِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إذَا غَابَ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا تَحْصِيلُ النَّفَقَةِ مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ مَا يَرَى مِنْ جِهَةِ