. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَجْزِ عَنْ الصِّيَامِ وَعَدَمِ الرَّقَبَةِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ هَذَا الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ فَقَالَ هُوَ عِنْدِي الشَّيْخُ الَّذِي لَا يَقْوَى عَلَى الصِّيَامِ مِنْ كِبَرٍ أَوْ ضَعْفٍ فَلَوْ أَطْعَمَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّوْمِ لَمْ يُجْزِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] ، فَإِنَّمَا نَقَلَ إلَى الْإِطْعَامِ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَاَلَّذِي يُجْزِئُهُ مَنْ فِي الْجِنْسِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَأَمَّا الْقَدْرُ، فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَى مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إلَى عَدَدِ مَنْ يُطْعِمُ، وَالثَّانِي إلَى قَدْرِ مَا يُطْعِمُ فَأَمَّا عَدَدُ مَنْ يُطْعِمُ فَهُمْ سِتُّونَ مِسْكِينًا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] ، وَلَوْ أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الْعَدَدَ وَلْيُطْعِمْ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا مَا يُجْزِئُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيُجْزِئُهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْقَدْرُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ أَنَّ مَالِكًا كَانَ يُفْتِي فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِمُدَّيْنِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ وَيَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ مُدُّ هِشَامٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَهُ أَوَّلًا لَمَّا كَانَ الْمُسْتَعْمَلُ بَيْنَ النَّاسِ يَبِينُ بِهِ مِقْدَارُ مَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مُدَّانِ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ، وَالتَّفْسِيرِ كَمَا يَقُولُ الْإِنْسَانُ فِي بَلَدِهِ يُجْزِئُك مِنْ هَذَا الْمُدِّ كَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ فَلَمَّا بَلَغَهُ أَنَّهُ قَدْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ مِقْدَارًا فِي نَفْسِهِ أَنْكَرَهُ وَكَرِهَهُ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ أَوْ قُلْنَا بِتَقْدِيرِهِ بِالْمُدِّ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُدِّ هِشَامٍ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّ مُدَّ هِشَامٍ الَّذِي جَعَلَهُ لِفَرْضِ الزَّوْجَةِ فِيهِ مُدٌّ وَثُلُثٌ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مُدَّانِ إلَّا ثُلُثٌ وَرَوَى الْبَغْدَادِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى أَنَّهُ مُدَّانِ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَعْنَ بْنَ عِيسَى مَدَنِيٌّ فَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ لِطُولِ مُقَامِهِ بِالْمَدِينَةِ مَعَ ضَبْطِهِ، وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا الْمُدَّ مَوْجُودٌ إلَى الْيَوْمِ، وَهُوَ كَيْلُ السَّرَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ، وَهُوَ مُدَّانِ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا مِرْيَةَ فَقَدْ شَاهَدْت ذَلِكَ وَبَاشَرْته وَحَقَّقْته وَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّهُ يُطْعِمُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَنْ كُلِّ مِسْكِينٍ مِنْ الْحِنْطَةِ بِقَدْرِ مَا يُطْعِمُ أَوْسَطَ عِيَالِهِ فِي الْيَوْمِ، وَاللَّيْلَةِ، وَكَذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَيْضًا شِبَعُهُ فِي الْيَوْمِ، وَاللَّيْلَةِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُغَدِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ أَحَبُّ إلَيْك أَوْ يُعْطِيهِمْ حِنْطَةً فِي كِلَا الْكَفَّارَتَيْنِ فَقَالَ أَحَبُّ إلَى مَالِكٍ لَوْ أَعْطَاهُمْ، فَإِنْ أَطْعَمَهُمْ أَجْزَأَ عَنْهُ يُطْعِمُهُمْ خُبْزًا وَإِدَامًا، وَهَذَا يَقْتَضِي مُسَاوَاةَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِيمَا يُجْزِئُ مِنْ الطَّعَامِ، وَلَوْ كَانَ الْأَفْضَلُ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُزَادَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَيَبْلُغَ الْمُدَّيْنِ فَقَدْ رَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة أَمَّا الظِّهَارُ فَمُدٌّ بِمُدِّ هِشَامٍ أَوْ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُدَّيْنِ مُدَّيْنِ.

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] ، وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُدَّيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ مِنْ أَوْسَطِ فَأَفْضَلُ الشِّبَعِ مُدَّانِ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مُدٌّ بِمُدِّ هِشَامٍ وَاَلَّذِي بَيْنَهُمَا يَسِيرُ قَدْرُ الثُّلُثِ، وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِيهِ {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] قَالَ مَالِكٌ الْوَسَطُ بِالْمَدِينَةِ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا بِالْبُلْدَانِ الَّتِي يُكَفَّرُ فِيهَا بِالْحِنْطَةِ فَالْوَسَطُ مِنْ الشِّبَعِ غَدَاءٌ وَعِشَاءٌ.

فَوَجْهُ الْقَوْلِ بِتَقْدِيرِهِ بِمُدَيَّنِ مِنْ مُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ إطْعَامٌ لَمْ يَجِبْ بِمَعْنًى يَتَعَلَّقُ بِالصَّوْمِ وَلِأَنَّهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَكَانَ الْإِطْعَامُ فِيهِ بِنَفْسِ الصَّاعِ كَفِدْيَةِ الْأَذَى، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا وَرَدَ بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَلَمْ يُقَدِّرْ ذَلِكَ، وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مُدَّ هِشَامٍ مَوْضُوعٌ لِتَقْدِيرِ النَّفَقَاتِ الْمُوَسَّعَاتِ أَشَارَ إلَيْهِ مَالِكٌ لِيَرَى قَدْرَ مَا يَخْتَارُهُ مِنْ ذَلِكَ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ التَّغْلِيظِ لِقَلِيلِ الذِّمَّةِ وَمُرْتَكِبِ الْمَحْظُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) : وَهَذَا لِمَنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ قُوتَهُ فَأَمَّا الشَّعِيرُ لِمَنْ أَجْزَأَهُ إخْرَاجُهُ أَوْ التَّمْرُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَرَى أَنْ يُطْعِمَ فِي الظِّهَارِ مِنْ الشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ عِدْلَ شِبَعِ مُدِّ هِشَامٍ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالْأَظْهَرُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015