. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) :
وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَوْ الْحَاكِمِ فَهُوَ الَّذِي يُوقِفُهُ وَيْحُكُمْ عَلَيْهِ بِمَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، فَإِنَّهُ حُكْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَإِنَّمَا يَجْتَهِدُ فِي إنْفَاذِهِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ حُكْمٍ فَإِذَا رَأَى التَّوْقِيفَ، فَإِنَّ تَوْقِيفَهُ إنَّمَا هُوَ لِيَفِيءَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ إيلَائِهِ، وَالْفَيْئَةُ الرُّجُوعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] أَيْ تَرْجِعَ أَوْ تَطْلُقَ إنْ امْتَنَعَ مِنْ الْفَيْئَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْإِضْرَارُ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إذَا كَرِهَ الْمَرْأَةَ، وَعَنِتَ عَلَيْهَا آلَى مِنْهَا ثُمَّ يَتْرُكُهَا مُعَلَّقَةً لَا هِيَ ذَاتُ زَوْجٍ وَلَا هِيَ مُطَلَّقَةٌ فَتَتَزَوَّجَ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْإِضْرَارَ بِهَا فَمَنَعَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَجَعَلَ لِلْأَزْوَاجِ مُدَّةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فِي تَأْدِيبِ الْمَرْأَةِ بِالْهَجْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34] «، وَقَدْ آلَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا» .
وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرِ هِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ ذَاتُ الزَّوْجِ أَنْ تَصْبِرَ عَنْهُ أَكْثَرَهَا وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَطُوفُ لَيْلَةً بِالْمَدِينَةِ فَسَمِعَ امْرَأَةً تُنْشِدُ:
أَلَا طَالَ هَذَا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ جَانِبُهُ ... وَأَرَّقَنِي إذْ لَا خَلِيلَ أُلَاعِبُهُ
فَوَاَللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ تُخْشَى عَوَاقِبُهُ ... لَزُعْزِعَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهُ
مَخَافَةَ رَبِّي وَالْحَيَاءُ يَكُفُّنِي ... وَأُكْرِمُ زَوْجِي أَنْ تُنَالَ مَرَاكِبُهُ
فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ اسْتَدْعَى عُمَرُ تِلْكَ الْمَرْأَةَ فَقَالَ لَهَا أَيْنَ زَوْجُك فَقَالَتْ بَعَثْت بِهِ إلَى الْعِرَاقِ وَاسْتَدْعَى نِسَاءً وَسَأَلَهُنَّ عَنْ الْمَرْأَةِ كَمْ مِقْدَارُ مَا تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا فَقُلْنَ شَهْرَيْنِ وَيَقِلُّ صَبْرُهَا فِي ثَلَاثَةٍ وَيُفْقَدُ صَبْرُهَا فِي أَرْبَعَةٍ فَجَعَلَ عُمَرُ مُدَّةَ غَزْوِ الرَّجُلِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ اسْتَرَدَّ الْغَازِينَ وَوَجَّهَ بِقَوْمِ آخَرِينَ، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يُقَوِّي اخْتِصَاصَ أَجَلِ الْإِيلَاءِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، فَإِنَّ لَهَا رِفْعَةَ سَاعَةٍ تَنْقَضِي الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ الَّتِي تَنَاوَلَتْهَا يَمِينُهُ لِمَنْعِ الْوَطْءِ مُدَّةً فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَرَفَعَتْهُ وَقَفَ مَكَانَهُ فَإِمَّا فَاءَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ وَإِلَّا طَلُقَتْ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُدَّةَ الْمَضْرُوبَةَ لَهُ الَّتِي فِيهَا الْخِيَارُ، وَالِارْتِيَاءُ، وَالنَّظَرُ، وَالْمَشُورَةُ انْقَضَتْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَادَ أَجَلًا عَلَى مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إضْرَارٌ بِالْمَرْأَةِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلِلْمَرْأَةِ بَعْدَ التَّوْقِيفِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ الْفَيْئَةِ أَنْ تَصْبِرَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَوْقِيفَهَا لَهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ وَكَذَلِكَ امْتِنَاعُهُ مِنْ الْفَيْئَةِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلزَّوْجَةِ خَاصَّةً، فَإِنْ رَضِيَتْ الْمُقَامَ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْفِرَاقِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلَّقَ عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنْ يَفِيءَ إلَى الْوَطْءِ الَّذِي حَلَفَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ، فَإِنْ أَبَى الْفَيْئَةَ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ عُذْرُ مَرَضٍ أَوْ سِجْنٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَكِنَّ إيثَارَهُ بِالطَّلَاقِ يُسْتَوْفَى مِنْهُ حَالَ الْعُذْرِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ ذَا الَّذِي يُوقِعُ الطَّلَاقَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَاكِمَ يَأْمُرُ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ أَوْقَعَهُ كَانَ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ، وَإِنْ أَبَى مِنْ إيقَاعِهِ مَعَ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْفَيْئَةِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ: إنَّ الْإِمَامَ يُلْزِمُهُ ذَلِكَ طَائِعًا أَوْ كَارِهًا وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَذَّلِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يَأْمُرُهُ الْإِمَامُ بِطَلَاقِهَا إنْ لَمْ يُرِدْ الْفَيْئَةَ، فَإِنْ طَلَّقَ وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ.
(فَرْعٌ) : فَإِنْ كَانَ بِهِ عُذْرٌ فَلَمْ يَفِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ إيقَاعَ هَذَا الطَّلَاقِ مُعَيَّنٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ لِانْقِضَاءِ أَجَلِ الْإِيلَاءِ الْمُقَرَّرِ بِالشَّرْعِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ أَنْ تَرِثَهُ إذَا مَاتَ فِي عِدَّتِهَا.
(فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ السَّبَائِيِّ عَنْ مَالِكٍ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ إنْ أَبَى مِنْ الْفَيْئَةِ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُطَلَّقُ عَلَيْهِ حَالَ الْحَيْضِ فِي شَيْءٍ إلَّا فِي الْإِيلَاءِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا يُطَلَّقُ عَلَيْهِ حَالَ الْحَيْضِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ