باب ذكر خلافة المستظهر باللَّه

ولما بويع المستظهر وهو ابن ست عشرة سنة وشهرين، واسمه، أحمد بن المقتدي، ويكنى: أبا العباس، وأمه أم ولد، كان كريم الأخلاق، لين الجانب، سخي النفس، مؤثرا للإحسان، حافظا للقرآن، محبا للعلم، منكرا للظلم، فصيح اللسان، له شعر مستحسن/ منه قوله:

أذاب [حر] [1] الهوى في القلب ما جمدا ... يوما مددت على رسم الوداع يدا

فكيف أسلك نهج الاصطبار [2] وقد ... أرى طرائق في مهوى الهوى قددا

قد أخلف الوعد بدر قد شغفت به ... من بعد ما قد وفي دهرا بما وعدا

إن كنت أنقض عهد الحب في خلدي ... من بعد هذا فلا عاينته أبدا

ولما بويع المستظهر استوزر أبا منصور ابن جهير، وقال له: الأمور مفوضة إليك والتعويل فيها عليك، فدبرها بما تراه. فقال: هذا وقت صعب، وقد اجتمعت العساكر ببغداد مع هذا السلطان الذي عندنا، ولا بد من بذل الأموال التي تستدعي إخلاصهم وطاعتهم. فقال له: الخزائن بحكمك فتصرف فيها عن غير استنجاز ولا مراجعة ولا محاسبة. فقال: ينبغي كتمان هذه الحال إلى أن يصلح نشرها، وأنا أستأذن في إطلاع ابني الموصلايا على الحال [3] فهما كاتبا الحضرة. فقال المستظهر: قد أذن في ذلك، وفي جميع ما تراه. فخرج إلى الديوان واستدعى ابني الموصلايا وقال لهما: قد حدث حادثة عظيمة. وتفاوضوا فيما يقع عليه العمل. فركب عميد الدولة باكرا إلى السلطان بركيارق يوم السبت وهو متشجع فخلع عليه [4] ، وعاد إلى بيت النوبة فأنهى الحال إلى المستظهر، وجرى الأمر في ذلك على أسدّ نظام إلا أن الإرجاف انتشر في هذا اليوم، ثم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015