بِشْر، عَنْ قَتَادَة، عَنْ كعب، قَالَ: [1] كَانَ سبب استنقاذ بَنِي إسرائيل من أرض بابل أن نصر لما صدر من بَيْت المقدس بالأسارى، وفيهم دانيال وعزير، فاتخذ بَنِي إسرائيل خولا زمانا طويلاً، وَإِنَّهُ رأى رؤيا فزع منها، فدعا كهنته وسحرته فأخبرهم بِمَا أصابه من الكرب فِي رؤياه، وسألهم أَن يعبروها، فَقَالُوا: قصها عَلَيْنَا، قَالَ: قَدْ أنسيتها، فأخبروني بتأويلها، قَالُوا: لا نقدر حَتَّى تقصها، فغضب وَقَالَ: قَدْ أجلتكم ثلاثة أَيَّام فَإِن أتيتموني بتأويلها وإلا قتلتكم.
وشاع ذَلِكَ فِي النَّاس، فبلغ دانيال وَهُوَ محبوس، فَقَالَ لصاحب السجن: هل لَكَ أَن تذكرني للملك، فَإِن عندي علم رؤياه، وإني أرجو أَن تنال بِذَلِكَ عنده منزلة، فَقَالَ لَهُ: إني أخاف عليك سطوة الْمَلِك، لعل غم السجن حملك عَلَى أَن تروح بِمَا لَيْسَ عندك فِيهِ علم، قَالَ دانيال: لا تخف عَلِي فَإِن لي ربا يخبرني بِمَا شئت من حاجتي.
فانطلق صاحب السجن فأخبر نصر بِذَلِكَ، فدعا دانيال فدخل، ولا يدخل عَلَيْهِ أحد إلا سجد لَهُ، فوقف دانيال وَلَمْ يسجد، فَقَالَ الْمَلِك لمن فِي الْبَيْت: اخرجوا، فخرجوا، فَقَالَ: مَا منعك أَن تسجد لي؟ قَالَ: إِن لي ربا أتاني هَذَا العلم عَلَى أَن لا أسجد لغيره، فخشيت أَن أسجد لَكَ فينسلخ عني العلم ثُمَّ أصير فِي يديك أميا لا تنتفع بي فتقتلني، فرأيت ترك السجدة أهون من القتل، وخطر سجدة أهون من الكرب الَّذِي أَنْتَ فِيهِ، فتركت السجود نظرا إِلَى ذَلِكَ.
فَقَالَ نصر: لَمْ يكن قط أوثق فِي نفسي منك حيث وفيت لإلهك، وأعجب الرجال عندي الَّذِين يوفون لأربابهم بالعهود، فهل عندك علم بِهَذِهِ الرؤيا الَّتِي رأيت؟
قَالَ: نعم عندي علمها وتفسيرها.
قَالَ: رأيت صنما عظيما، رجلاه فِي الأَرْض ورأسه يمس السماء، أعلاه من ذهب ووسطه من فضة، وأسفله من نحاس، وساقاه من حديد، ورجلاه من فخار، فبينا أَنْتَ تنظر إِلَيْهِ قَدْ أعجبك حسنه وإحكام صنعته قذفه اللَّه بحجر من السماء فوقع عَلَى قبة رأسه، فدقه حَتَّى طحنه، فاختلط ذهبه وفضته ونحاسه وحديده وفخاره حَتَّى يخيل إليك