الرقة، فأقام بها، وأنفذ كتبه ورسله إلى رؤساء أجناد الشام ووجوه الجزيرة، فقدموا عَلَيْهِ، فأجازهم، وخلع عليهم، وحملهم، ثم جرى بين الجند خصومات، فاقتتلوا وتفرقوا [1] .

وفي هذه السنة: خلع محمد بن هارون، وأخذت عليه البيعة للمأمون ببغداد، وحبس في قصر أبي جعفر مع أم جعفر بنت جعفر بن المنصور.

وسبب ذلك: أن عبد الملك بن صالح لما جمع النَّاسَ، ثم تفرقوا مات بالرقة، فرد الجند الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان إلى بغداد، وكان ذلك في رجب، فبعث إليه في الليل محمد بن هارون/، فقال للرسول: والله ما أنا بمعبر ولا مسامر ولا مضحك ولا وليت لَهُ عملا، فأي شيء يريد مني في هذه الساعة؟ إذا أصبحت غدوت إليه إن شاء الله.

فأصبح الحسين، فوافى باب الجسر، واجتمع إليه الناس، فأمر بإغلاق الباب الذي يخرج منه إلى قصر عبيد الله بن عليّ، وباب سوق يحيى، وقال: إن خلافة الله لا تجوز [2] بالبطر، وإن محمدا يريد أن يوتغ [3] أديانكم، وينكث بيعتكم، وباللَّه إن طالت به مدة ليرجعن وبال ذَلِكَ عليكم، فاقطعوا أثره قبل أن يقطع آثاركم، فو الله ما ينصره منكم ناصر إلا خذل.

ثم أمر الناس بعبور الجسر، فعبروا حتى صاروا إلى سكة باب خراسان، واجتمع أهل الأرباض مما يلي باب الشام، وتسرعت خيول من خيول محمد إلى الحُسَين، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم كشفهم الحسين، فخلع الحسين بن علي محمدا يوم الأحد لإحدى عشرة من رجب سنة ست وتسعين. وأخذ البيعة لعبد الله المأمون من غد يوم الاثنين إلى الليل، وغدا الْعَبَّاس بن موسى بن عيسى الهاشمي إلى محمد، فوثب بِهِ، ودخل عليه وأخرجه من قصر الخلد إلى قصر أَبِي جعفر، فحبسه هناك، ثم وثب على أم جعفر، فأمرها بالخروج من قصرها إلى قصر أبي جعفر فأبت، فقنعها بالسوط وسبّها، ثم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015