في ذلك علي بن عيسى بن ماهان والسندي وغيرهما، فأزاله عن رأيه.
فأول ما بدأ به محمد عن رأي الفضل بن الربيع فيما دبر من ذَلِكَ، أن كتب إلى جميع العمال في الأمصار بالدعاء لابنه موسى بالإمرة بعد الدعاء له وللمأمون [والقاسم بْن الرشيد] [1] ، فلما بلغ ذلك إلى المأمون وعرف عزل القاسم وإقدامه على التدبير على خلعه قطع البريد عن محمد، وأسقط اسمه من الطّرز والضرب.
وكان رافع بن الليث بن نصر بن سيار لما انتهى إليه من الخبر عن المأمون وحسن سيرته في أهل عمله وإحسانه إليهم، بعث في طلب الأمان لنفسه، فسارع إلى ذلك هرثمة، وخرج رافع فلحق بالمأمون، وهرثمة بعد مقيم بسمرقند، فأكرم المأمون رافعا، ولما دخل رافع في الأمان استأذن هرثمة المأمون في القدوم عليه، فعبر نهر بلخ بعسكره والنهر جامد، فتلقاه الناس، وولاه المأمون الحرس، فأنكر ذلك كله محمد، فبدأ بالتدبير على المأمون، فكان أول ما دبر عليه أنه كتب للعباس بن عبد الله بن مالك- وهو عامل المأمون على الري- يأمره أن يبعث إليه بغرائب غروس الري- مريدا بذلك امتحانه- فبعث إليه ما أمره به، وكتم ذلك عن المأمون وذي الرئاستين، فبلغ المأمون، فعزل العباس، ثم وجه محمد إلى المأمون رسلا ثلاثة: العباس بن موسى/ بن عيسى، وصالح صاحب المصلى، ومحمد بن عيسى بن نهيك، وكتب إليه كتبا معهم يسأله تقديم موسى على نفسه، ويذكر أنه قد سماه: الناطق بالحق، وكان ذلك بمشورة علي بن عيسى بن ماهان، فرد المأمون ذلك، وسمي المأمون في ذلك اليوم: الإمام.
وكان سبب هذه التسمية: ما جاءه من خلع محمد له، ثم ضمن ذو الرئاستين للعباس ولاية الموسم وما شاء من أموال مصر، فما برح حتى أخذ منه البيعة للمأمون، وكان يكتب إليهم الأخبار، ويشير عليهم بالرأي، ورجعت الرسل إلى الأمين وأخبروه بامتناعه، وألح الفضل بن الربيع وعلي بن موسى على محمد في البيعة لابنه، وخلع المأمون، وكان الأمين يشاور في خلع المأمون فينهاه القواد، وقال له خزيمة بن خازم: لا تجرئ القواد على الخلع فيخلعوك، ولا تحملهم على نكث العهد فينكثوا عهدك- فبايع لابنه موسى، وأحضنه علي بْن عيسى، وولاه العراق.