أَبِي، حدثنا عبد الله بن أبي سعد، حدثنا عبد الله بن الربيع قَالَ: قال هارون الرشيد في الليل بيتا وأراد أن يشفعه بآخر فامتنع القول عليه، فَقَالَ: علي بالعباس بن الأحنف، فلما طرق ذعر وفزع أهله، فلما وقف بين يدي الرشيد/ قَالَ: وجهت إليك لبيت قلته، ورمت أن اشفعه بمثله فامتنع القول علي. فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، دعني حتى ترجع إليّ نفسي، فإنّي تركت عيالي على حال من القلق عظيمة، ونالني من الخوف ما يتجاوز الحد والوصف. فانتظر هنية، ثم أنشده:
جنان قد رأيناها ... ولم نر مثلها بشرا
فقال العباس:
يزيدك وجهها حسنا ... إذا ما زدته نظرا
فقال له الرشيد: زدني.
فقال الْعَبَّاس:
إذا ما الليل مال عليك ... بالظلماء [1] واعتكرا
ودج فلم تر قمرا ... فأبرزها ترى القمرا
فقال له الرشيد: قد ذعرناك وأفزعنا عيالك، وأقل الواجب أن نعطيك دينك فأمر له بعشرة آلاف درهم، وصرفه [2] .
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزُّهْرِيّ، حَدَّثَنَا محمد بن القاسم الشطوي، حدثنا أحمد بن عبيد قَالَ: سمعت الأصمعي يَقُولُ:
بينا أنا قاعد يوما في مجلس بالبصرة، فإذا أنا بغلام أحسن الناس وجها وثوبا، واقف على رأسي، فَقَالَ: إن مولاي يريد أن يوصي إليك، فأخذ بيدي حتى أخرجني إلى الصحراء، فإذا بالعباس بن الأحنف ملقى على فراشه، وإذا هو يجود بنفسه وهو يَقُولُ:
يا بعيد الدار عن وطنه ... مفردا يبكي على شجنه
كلما جد النجيب [3] به ... زادت [4] الأسقام في بدنه