نَجُولُ [1] عَلَيْهِ بِأَيْدِينَا، فَسَبَقَتْ كَفُّ هَارُونَ قَبْلِي إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا لَهَا مِنْ كَفٍّ، مَا ألينها، إن نجت غدا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَيُكَلِّمَنَّهُ اللَّيْلَةَ بِكَلامٍ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ. فَقَالَ لَهُ: خُذْ لِمَا جِئْنَاكَ لَهُ رَحِمَكَ اللَّهُ.
قَالَ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا وُلِّيَ الْخِلافَةَ دَعَا سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، ومحمد بن كعب القرظي، وَرَجَاءَ بْنَ حَيْوَةَ. فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي قَدِ ابْتُلِيتُ بِهَذَا الأَمْرِ [2] فَأَشِيرُوا عَلَيَّ.
فَقَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ غَدًا من عذاب الله عز وجل فصم [عَنِ] [3] الدُّنْيَا، وَليَكُنْ إِفْطَارُكَ فِيهَا [4] الْمَوْتَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فَلْيَكُنْ كَبِيرُ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَكَ أَبًا، وأوسطهم أخا، وأصغرهم عندك ولدا، فوقّر ْأَبَاكَ، وَأَكْرِمْ أَخَاكَ، وَتَحَنَّنْ عَلَى وَلَدِكَ.
وَقَالَ لَهُ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ: إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ غَدًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ/ فَأَحِبَّ لِلْمُسْلِمِينَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ، ثُمَّ مِتْ إِذَا شِئْتَ، وَإِنِّي أَقُولُ لَكَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ أَشدَّ الْخَوْفِ، يَوْمًا تَزَلْ فِيهِ الأَقْدَامُ، فَهَلْ مَعَكَ- رَحِمَكَ اللَّهُ- مَنْ يُشِيرُ عَلَيْكَ بِمِثْلِ هَذَا؟
فَبَكَى بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: ارْفُقْ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَا بْنَ أُمِّ الرَّبِيعِ، تَقْتُلُهُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ وَأَرْفُقُ أَنَا [5] . بِهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ لَهُ: زِدْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ. فَقَالَ: يَا أمير المؤمنين، بلغني أَنَّ عَامِلا [6] لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ شَكَى إِلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ:
يَا أَخِي، أُذَكِّرُكَ اللَّهَ طُولَ سَهَرِ أَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ مع خلود الأبد، وإياك أن ينصرف